الاثنين، 18 مارس 2013

مقابلة مثيرة مع قيادي منفي بالخارج وأسرار تكشف لأول مرة‎.. صالح قتل الحمدي وقادة 15 أكتوبر دفنوا أحياء

مقابلة مثيرة مع قيادي منفي بالخارج وأسرار تكشف لأول مرة‎.. صالح قتل الحمدي وقادة 15 أكتوبر دفنوا أحياء

قال بأنه كان ضمن الوفد الذي سيرافق الحمدي إلى عدن.. وأنه قابل الغشمي ليلة استشهاد الحمدي..
كاتب بيان نعي الشهيد الحمدي وذاكرة الحركة الناصرية في اليمن.. عبدالله سلام الحكيمي لـ(اليقين):
صالح قتل الحمدي وقادة 15 أكتوبر دفنوا أحياء بعد اقتيادهم إلى مقر الفرقة الأولى

حاوره : عبدالله بن عامر - فواز الحمادي

* في البداية أود أن أعرف متى وكيف بدأ انتسابك للتنظيم الناصري ؟
- انتسبت في شهر إبريل 1969 ومن أخذ اليمين مني الأستاذ هاشم علي عابد، وكان أول مسئول عن خليتنا المرحوم المناضل الكبير عبد اللطيف علي الشرجبي.

*هل كان اليمين (القسم) شرطاً لدخول التنظيم؟
- اليمين هو الرباط الدال على الانتماء، ولهذا كان ضرورياً؛ لأن العمل كان عملا سرياً تحت الأرض وفي أعماقها، فاليمين كان ضرورياً. كنا بعد اليمين نطالب فوراً بالاعتزال لمدة 24 ساعة أو 48 ساعة وتنقطع صلاتنا بالعالم الخارجي كله ونعكف على كتابة تقرير نحكي فيه مراحل حياتنا السابقة وكأننا نودعها لنبدأ حياة جديدة مختلفة، تماماً كأننا نقيم عازلا نفسيا بين ما مضى وما هو آت.

* تدرجت في العديد من المناصب القيادية داخل التنظيم كيف كان يجري العمل بالنظر إلى أن العمل الحزبي كان سريا؟
- كانت التدرج يقوم على الانتخاب داخل المستوى التنظيمي للعضو فيما عدا أول الالتزام يعين أمين سر الخلية من المستويات القيادية العليا. أما ما عدا ذلك فكله بالانتخاب على ما أذكر.

* عبده الجندي قال في مقابلة مؤخراً إنه عين من قياد التنظيم مديرا للدائرة الاجتماعية والعمل في تعز بمهمة خاصة وهي استقطاب علي صالح للتنظيم. هل هذا الكلام صحيح؟
- لا لا لا غير صحيح؛ لأن علي عبدالله صالح والغشمي وسائر قادة الوحدات تولّت أمرهم القيادة العليا للتنظيم بالاتفاق مع الشهيد إبراهيم الحمدي.. الأخ عبده الجندي كان آنذاك عضواً في قيادة الفرع على ما أذكر لكنه لم يكن على علم بهكذا أمور في ذلك الحين.الذي كان أكثر اتصالاً بعلي عبدالله صالح هو المرحوم عبد اللطيف علي، لكن بدون تطرق لأمر استقطاب أو غيره لأنه في ذلك الحين لم يكن قد تقرر أمر كهذا.

* أين كنت في يوم اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي؟ وكيف تلقيت خبر استشهاده؟
- كنت في مقر صحيفة 13 يونيو أكتب آخر مقال في العدد الذي سيصدر في اليوم التالي، وكنت سأكون ضمن الوفد الإعلامي المرافق للشهيد الرئيس الحمدي إلى عدن ودُعيت في المساء أنا والرائد علي الشاطر آنذاك مدير التوجيه المعنوي للمجيء إلى القيادة لمقابلة الغشمي، وذهبنا ولوح الكتابة في يدي أكمل فيه المقال الرئيسي، وأدخلونا إلى مكتب مدير مكتب الغشمي وكانت الأمور فيها ازدحام في الخروج والدخول.. سألت الشاطر عن هذه الحركة المكثفة اليوم، قال ربما لأن الرئيس مسافر وطبيعي أن يزوره قادة الوحدات والمسئولين. في الطريق ونحن في باص التوجيه المعنوي إلى القيادة كنت قد سألته (تقول أيش يشتي مننا الغشمي؟ قال ربما يشتي يعطيك توجيهات قبل سفرك إلى عدن أو يحولك مصاريف. فضحكت وقلت له: لا، الثانية أكثر معقولية) وثم فجأة جاء علي عبدالله صالح إلى باب المكتب وهو يبحلق في السماء ويجيل نظره على الحاضرين في المكتب، وتساءل: (أين الحكيمي قد جاء أو ماشي؟) فأشرت له: نعم يا فندم أنا هنا فأعطاني قفاه وولّى ثم فجأة دعاني مدير مكتب الغشمي وأدخلني غرفة صغيرة لا نوافذ لها أنا وعلي الشاطر وكان فيها مجموعة يبدون من حرس الغشمي وجوههم كالحة لم أرهم من قبل (وجوه إجرامية) وحطوني بالغرفة معهم وانصرف كل من مدير مكتب الغشمي وعلي الشاطر وبقيت وحدي معهم للحظات ثم جاء الاثنان وصرفوا الحرس وبقينا الثلاثة. كان مدير مكتب الغشمي المرحوم الرائد أحمد العماد يحاول أن يشرح ما حدث وأن ابراهيم قُتل، ونحن نريد أن نصدر بياناً.. أنا أعتقدت أن الذي حدث هو انقلاب وفشل وأنهم يريدون إصدار بيان توضيحي لما حدث، فقلت له: طيب كيف حدث الانقلاب تفصيلاً ومن هم وراءه؟ لكي يكون البيان أكثر دقة في التعبير عما حدث، فقال: جنّي مش انقلاب، الحاصل أن إبراهيم الحمدي قتل هو وأخوه ونشتي نفعل بيان، فقلت له: مش معقول، قال لي: الله يرحمه ويسكنه الجنة، مش وقت الاصطدام الآن، نشتي نفعل البيان إصحى. فجلسنا أنا وهو نحاول أن نصيغ البيان فحصلت تضاربات في الصياغة، قلت له: هذا ما ينفعش إما أن تصيغ أنت وأنا أراجع أو أصيغ أنا وأنت راجع، قال لي: تمام صيغ أنت وأنا سأراجع.. هذا ما تم حينها.
وبعدين ظليت محتجزاً في القيادة إلى قريب الفجر، ثم العزيزين أحمد العماد وعلي الشاطر دخلا إلى مكتب الغشمي وقالوا له: يا فندم خلّي الحكيمي يروح ينام من شأن بكرة بنحتاجه في الردود على الصحفيين، قال: ناهي.

* كيف كان التنسيق لحركة 15 أكتوبر؟ ومتى قررت قيادة التنظيم الانقلاب على صالح؟
- هذا الأمر يحتاج إلى شرح طويل، ولكن باختصار أقول إن التخطيط لحركة 15 أكتوبر أو بالأصح قرار القيام بالحركة تم اتخاذه مساء يوم استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي ورفاقه. كان تقييمنا للأمور أن الاغتيال هو تصفية لما كان يمثله الحمدي من مشروع وطني وقومي، وأن علينا أن نبادر إلى مجابهة هذه المؤامرة، وهكذا كان قرار الحركة في بدايته ضد الغشمي وبعد قتل الغشمي استمر الحال ضد من تلاه أقصد علي عبد الله صالح.

*هل هناك أدلة حول من اغتال الحمدي؟ أم أنها مجرد تكهنات ؟
- إذا كنت تقصد بالأدلة القطعية ودلالة الثبوت فلا، إنما هناك شواهد قرائن معلومات جمعناها فيما بعد من هنا وهناك. الشيء الرئيسي الذي نحن متأكدون منه يقيناً هو التقرير الذي قدمه لقياده التنظيم الشهيد الوزير عبدالسلام مقبل الذي كانت عزومة الغشمي ظاهرياً على شرفه بمناسبة تعيينه وزيراً للشؤون الاجتماعية.. في هذا التقرير يحكي كشاهد عيان أنه كان في عزومة في منزل الغشمي في صنعاء المجاور لبيت المرحوم الدكتور عبد القدوس المضواحي وكان من ضمن الحضور على ما أذكر الآن عبد العزيز عبد الغني رئيس الحكومة ووزير المالية محمد أحمد الجنيد وآخرين لا يحضروني الآن، وكان مجلس الشهيد عبدالسلام مقبل مطلاً على حوش بيت الغشمي حيث رأى لحظة حضور الحمدي وقبل أن يتجاوز حاجز الباب كان كالذي يتردد بين أن يدخل أو لا يدخل.. لحظات ظل واقفاً متأملا ثم دخل، كان وحيدا بدون حرس ودخل وجلس مع الحاضرين ومنهم الشهيد عبدالسلام، ثم فجأة أثناء تقديم الطعام جاء الرائد علي عبدالله صالح وهمس في أذن الحمدي فقام معه ليدخلا إلى داخل البيت قال عبد العزيز عبد الغني للحمدي نتغدى مع بعض، فرد عليه الحمدي مبتسماً: /’’لا نحن العسكريين بيننا أحاديث خاصة سنناقشها لوحدنا/’’ وأكملوا الطعام. ولاحظ التقرير أن أحمد الغشمي كان معهم، لكنه كان قلقاً جدا كان يجلس ويقوم مرات عديدة في حين أن أخاه محمد الغشمي كان هو الذي يتدبر الضيوف وكان متماسكاً لا يبدو عليه القلق وكان واقفا دائماً على الباب. انتهى الضيوف من طعامهم وأرادوا الانصراف للتخزينة، لكن محمد الغشمي كان يطلب منهم الانتظار قليلاً أكثر من مرة وكان ملفتاً أن الانتظار طال حتى أذن لهم أخيرا بالانصراف فسألوه: أين القات؟ قال كل واحد قاته بسيارته.. أهلا وسهلا بكم شرفتونا وانصرفوا.
ومن تحليلاتنا أنهم تعمدوا تأخير انصراف الضيوف ليستخدموهم كرهائن في حالة ما إذا حدث حادث يفشل التصفية، وبعد أن أتموا جريمتهم دعوهم ينصرفوا.. الثابت أن الغشمي هو صاحب المؤامرة ومدبرها، لكنه من واقع تحليلاتنا لم يشارك في التنفيذ ومن واقع معلوماتنا اللاحقة فإن علي عبدالله صالح هو الذي قاد التنفيذ.

*ما حقيقة ماحدث من قبل عبدالله عبدالعالم قائد قوات المظلات آنذاك ؟
- بعد حادث استشهاد إبراهيم الحمدي فإن الرائد عبدالله عبدالعالم يبدو أنه وقع تحت تأثير صدمة قوية جعلته يتجه نحو جبل الصمع في أرحب حيث كانت تتمركز هناك وحدة من المظلات وظل هناك حيث كلف الشهيد عبد السلام مقبل من قبل التنظيم للذهاب إليه وتقييم الموقف فوجده في حالة نفسية سيئة باكيا، كنا نحاول أن نتلمس إمكانية أن تتم تنسيقات سريعة بين بعض الوحدات التي كانت في صنعاء وما حولها كالمظلات واللواء السابع مدرع واللواء الأول مشاه في عمران والاحتياطي العام في صنعاء والعمالقة في ذمار للتحرك سريع، لكن يبدو أن الغشمي وخبرته اختطفوا الرائد علي قناف زهره قائد اللواء السابع مدرع، ليقصوا جناح المظلات؛ لأن المظلات كقوات خاصة لا تستطيع التحرك بدون دروع، وبدا أن التنسيق بين قادة هذه الوحدات كان صعباً وبالتالي فاتت فرصة التحرك لإفشال المؤامرة في مهدها إذ لو تم التحرك الفوري في صنعاء ولو في أقل حجم من القوى لكان الغشمي وجماعته قد ولوا هروبا، ولكن هم يبدو أنهم راهنوا على أن من غير الممكن حدوث رد فعل مضاد وسريع.

* وماذا عن حقيقة أحداث الحجرية؟
- بالنسبة لأحداث الحجرية فمن وجهة نظري الشخصية -وهو ما أفصحت به حينها للشهيد عيسى ولقيادة التنظيم- أن التوجه إلى الحجرية كان خطأ فادحا، وكنا نقول لأخينا عبدالله عبدالعالم إذا لم يكن لديه تنسيق مع بقيه الوحدات في صنعاء وحولها فعليه أن يقبل بعرض الخروج لأي سفارة بالخارج ويترك المظلات كما هي ونحن سنشتغل فيها، وهو نفس الكلام الذي قلناه لمجاهد القهالي قائد اللواء الأول مشاه. والحقيقة أننا لم نعلم بتحرك عبدالله عبدالعالم إلى الحجرية إلا وقد شارف وصوله إلى مدينه تعز ولم يعلمنا به مسبقا، كان ينسق مع الماركسيين من ضباطه وأحزابهم التابعين لها أكثر من تنسيقه معنا.. ولهذا أعطيك سرّا أن الشهيد عيسى رحمه الله ذهب إلى الحجرية والتقى بعبدالله عبدالعالم وعاد مجتمعا مع القيادة وطرح لهم ما سمعه من الأخ عبدالله عبد العالم عن امتلاكه لأسلحة نوعية لا يملكها الجيش اليمني وبكميات تكفيه للمقاومة (6) أشهر وأن معه محطة اذاعة متنقلة وأنه يريد إرسالي إلى الحجرية لإدارتها فقلت للشهيد عيسى وأنت ماذا ترى ؟ أجاب رحمه الله: أنا مع ذهابك، قلت له مع احترامي الكامل لك ولعبد الله عبدالعالم لكنني للأسف الشديد لا أثق بعبدالله عبدالعالم وأشك في دقة ما طرحه لك.. وهكذا رفضت الذهاب؛ لأن من كان يقدر على الفعل كان المفروض أن يفعلها في صنعاء يوم مقتل الشهيد إبراهيم الحمدي. أما أنه يأخذ قواته ويلوّي حول رأس الرجاء الصالح إلى الحجرية ليعود منها إلى صنعاء مجددا.. هذا أمر لا يقبله عقل ولا يستصيغه منطق.

*ماذا تعرف عن مصير عيسى محمد سيف والكثير من قيادات التنظيم؟
- أولاً: القيادات العسكرية جرى تصفيتها بدون محاكمة يوم 27 أكتوبر 78 في (جراش)الدبابات في القيادة العامة ورموا في بئر قديمة معطلة في السور الغربي لمبنى القيادة.
ثانياً: القيادات السياسية تمت محاكمتهم محاكمة صورية في ما يسمى محكمة أمن الدولة العليا، وأعلنوا عند الساعة 3 عصرا بتوقيت صنعاء في نشرة الأخبار ليوم 5 نوفمبر 78 أن المحكمة أصدرت أحكامها بالإعدام وأنه قد تم التنفيذ.

ثالثاً: من متابعاتي الشخصية ومن واقع شهادات إخواننا المناضلين، الذين كانوا في سجن البشائر حيث كان الشهداء، أنهم كانوا لا يزالون في السجن حتى مساء ذلك اليوم، وليس صحيحاً ما أُذيع بأن الإعدام قد تم تنفيذه في حدود الساعة 9 من مساء ذلك اليوم المشئوم. خرج الشهداء على دفعتين: الأولى ضمت فقط الشهيدين سالم محمد السقاف وناصر محمد اليافعي، والبقية في سيارة أخرى كانت (لاند كروزر حبة ونص) تابعة للواء الأول مدرع (الفرقة الأولى بعد ذلك) واتجهوا بهم إلى مقر اللواء الأول مدرع وفي مكان ما (لا أستطيع الآن الإفصاح عنه حتى لا يطمسوه لإخفاء معالم الجريمة) حفر لهم أخدود ودفنوا أحياء مصفدين بالأغلال.
رابعاً: عندما كنت في القاهرة صرحت لوسائل الإعلام عن نيتي رفع قضية في المحاكم الدولية للكشف عن مصير هؤلاء الشهداء وذلك استنادا إلى تناقض المعلومات المشار إليها في الفقرة رقم 3 آنفا، ولأن حكم الاعدام لم يوقع من الرئيس آنذاك كما تقتضي الأحكام الدستورية والقانونية، وبالتالي فإنهم يعتبرون بحكم المختطفين والمخفيين قسراً وسنطالب المحاكم الدولية بالكشف عن مصيرهم لاعتبارات إنسانية. وكنت أهدف من وراء هذا التصريح حقيقة إلى استدراج أي تصريح رسمي أحتفظ فيه كوثيقة رسمية وهو ما كان الحمد لله، حيث ردّ عليّ الناطق الرسمي بروايته للحادث والوقائع من وجهة نظره ونشر رده الذي كان كما قال ردا عليّ في صحيفة الثورة وصحيفة 26 سبتمبر ووكالة سبأ للأنباء وهو ما كنت أتمناه، وقد حصل؛ حيث رديت عليه مرة أخرى بالوقائع المغايرة التي لدي والتي تناقض طرحه، وطالبت بفريق دولي فني لفحص الرفات التي قالوا أنها في مقبرة خزيمة في حين أن معلوماتي أنهم في مكان آخر وفحص الـ dna لمعرفة الحقيقة وماذا تم بشأنهم أو يكشفوا عن أماكن تواجدهم إن كانوا أحياء.
خامساً: كنت في الحقيقة عاقد العزم على رفع الدعوى في المحاكم الدولية باعتباري من الناحية القانونية صاحب مصلحة في الدعوى لأني كنت واحد منهم وحكم عليّ بالإعدام غيابيا، ولهذا يجوز لي رفع الدعوى، لكني وجدت أن التكاليف المالية للتقاضي تفوق قدراتي وطلبت من قيادة التنظيم مساعدتي في هذه القضية، فلم يردوا.

* ماذا عن مشائخ الحجرية؟ كيف ومن عمل على تصفيتهم؟
- الحقيقة ليس لدي معلومات دقيقة من الذي صفّاهم، لا أريد أن أفتي بما لا أعلم لأن هذه شهادة والله يقول (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وأنا لم أشاهد ولم أعلم حتى أشهد.

*أحد أصدقائي أخبرني أن هناك قائمة نزلت بإعدام مجموعة من قيادة القوات المسلحة على رأسهم عبدالله عبدالعالم بعد تصفية مشائخ تعز؟ منهم الذين شملتهم قائمة الإعدام؟ويقول أن عمه أحمد محمد الربادي كان مع عبدالله عبدالعالم بالمظلات وخرجوا من الوطن معاً وإلى الآن لم نعثر على أي أثر؟
- هي ليست قائمة، وإنما جرت محاكمات صورية فيما سمي بأحداث الحجرية للأخ عبدالله عبد العالم والضباط والأفراد الذين معه وصدرت فيهم أحكام، وهذا معلوم وموثق يمكن تعود لوثائق ذلك الوقت سواء في وكالة سبأ للأنباء أو في الصحف الرسمية إلخ.

*حرب صيف 94 أين كنت وما هو شعورك وأنت ترى الإخوة اليمنيين يقتل بعضهم بعضا؟ وماذا كان موقفك منها؟
- والله يا سيدي لا أدري، ولكن ربما بعض من الذين نزحوا مع عبدالله عبد العالم إلى الجنوب من صفاهم نظام الحكم في الجنوب انتقاما لما حدث في المناطق الوسطى كالمقدم أحمد محسن وغيره لكن معنديش حصر فيهم.

قبل حرب 94 بقليل كان الأخوة في الحزب الاشتراكي قد طلبوا مني أن أكون مستشارا للسيد علي سالم البيض وأن أنتقل إلى عدن وأن أتولى بالإضافة إلى ذلك إنشاء الإرشيف العام الموحد للتجربة في الجنوب في ضوء تجميع الإرشيفات المتفرقة هنا وهناك، شخصية وعامة، وعمل إرشيف شامل وموحد. وفعلا انتقلت إلى هناك قبل الحرب تقريبا بشهرين أو ثلاثة، وكانو لا يزالون في طور ترتيبات السكن ومقر العمل للمهمة. وقبل الحرب بقليل كان الشهيد المرحوم يحيى المتوكل رحمه الله، وكان صديقا عزيزا، يتصل بي عبر أحد أقاربه طالبا مني المجيء لزيارته في صنعاء؛ لانه كما قيل لي يحتاج يشوفني. والحقيقة مرتين أو ثلاث لم أهتم بالموضوع، وقبل الحرب بيوم اتصل قريبه مرة أخرى قائلاً إن الوزير يريدني على وجه السرعة لأمر هام جدا، وهو أنه يريدني أن أحمل مقترحات جديدة للأخوة في عدن حول حلّ الأزمة، واستأذنت وتهيئت للسفر في آخر طائرة أرسلت لنقل أعضاء لجنة الحوار الوطني الذين كانوا في عدن إلى صنعاء، وكنت بدلاً عن شخص لم يسافر وسمح لي بانتحال شخصيته، وبعد وصولي إلى صنعاء ذهبت رأسا إلى بيت الشيخ محمد بن ناجي الغادر الذي أرسل من يستقبلني إلى المطار، وبعد منتصف ليل ذلك اليوم انفجرت حرب صيف 94 وانتقلت إثرها إلى خولان ومكثت هناك لأكثر من شهرين طوال فترة الحرب وبعدها، وعائلتي في عدن، وقد تكرم أحد الأصدقاء الطيبين من أمن الدولة بترتيب سفرهم عبر طور الباحة قبل أن تفتح جبهة هناك، ووصلوا إلى القرية التي لا تبعد كثيراً عن عدن.
الحقيقة أنني كنت أنصح الأخوة في الجنوب لما أحسست باحتمال حدوثه أن لا يرتكبوا خطأ سيكون قاتلا بإعلان الانفصال لأن الكفة ضدهم ستكون أرجح، واقترحت عليهم أن يستدعوا كتلتهم البرلمانية من صنعاء إلى عدن ومعهم كتلة المستقلين البرلمانية ويشكلوا منهم برلمانا إنقاذيا تنبثق عنه حكومة إنقاذ وطني تخوض المواجهة تحت شعار الإنقاذ الوطني وليس الانفصال. وأذكر أني صادفت الشهيد جارالله عمر في طريقه إلى اجتماع اللجنة المركزية في عدن وطرحت عليه هذا المقترح، وقال أنه سيطرحه على الاجتماع، ولكن الأمور سارت على نحو مختلف، وكان إعلان الانفصال الخطأ الاستراتيجي القاتل. ولو أنهم قاتلوا تحت شعار الإنقاذ الوطني لانتصروا حتما لكن الأمور بدت لي فيما بعد أن هناك أطرافاً تسيّر الأحداث عن بعد وبالرموت كنترول؛ لأن الهدف كان كما يبدو هو أن تسير الأمور على النحو التي سارت عليه، تلك إرادة المخرج- سيدي- هذا باختصار.
واليوم أقول لك: انتظر قليلاً لترى كيف سيخرجون الأمور، عاد فصول المسرحية لم تكتمل بعد.. سترى قريباً مصالحات واتفاقات وتفاهمات؛ ولا تستغرب أيضا إن وجدت أنهم سيتحاورون مع القاعدة ذات يوم ومع طالبان و و و إلخ .. هذه هي لعبة الأمم سيدي، لكن الناس لا يتابعون ولا يربطون بين الظواهر ليستنتجوا منها ما يجب أن يستنتجوا وليعلموا من قبل أن يقع الفأس على الرأس.

*متى أحس عبدالله سلام الحكيمي بأن ثورة اليمن ولدت؟
- في الواقع يا سيدي أنني كنت منذ سنوات سابقة للثورة متيقنا أن ثورة شعبية سوف تأتي على وجه الإجمال وعبرت عن ذلك في مقالات وفي مقابلات عندما كنت في القاهرة، لم أكن أقرأ في فنجان، ولكن كنت أحلل طبيعة السلطة الحاكمة والسياسات التي تقوم بها والأساليب التي تدير بها البلاد والتي تتعارض تعارضا تاما مع المنطق السليم لبناء الدول أو لكيفية بناء الدول.. وبالتالي توصلت إلى أن ثورة تلقائية عارمة مدمرة ستأكل الأخضر واليابس سوف تنفجر يوما كنتيجة حتمية لطبيعة السطلة وأسالبيها، ولو قرأت مثلا مقدمة ابن خلدون في الجزء الخاص بكيفية نشوء الدول وعوامل تحللها لكنت وصلت إلى نفس الرأي. طبعا الثورة الشعبية السلمية العظيمة التي قامت كانت عظمتها أنها لم تكن مدمرة ولم تأكل الأخضر واليابس كما توقعت، ولكنها كانت رائعة وإيجابية ولكنها للأسف الشديد تعرضت للالتفاف والاحتواء من قبل قيادات أحزاب المعارضة التي راحت تعقد صفقة تقاسمية تساومية مع سلطة الفساد والقمع لتضمن لنفسها بعض المقاعد ولتحول دون أن تواصل الثورة مسيرتها نحو الحسم الثوري النهائي والكامل. ولكن مع ذلك فالثورات عادة لا تتوقف ولا تفنى ولا تخلق من العدم، ولكنها حسب مقولة لينين تتراجع خطوتين إلى الخلف لتخطو خطوة إلى الأمام، نوعية متميزة والمؤكد أن الثورة كما فاجأتنا في انطلاقتها الأولى ستفاجئنا أيضا حين تعاود الكرة مرة أخرى قريباً إن شاء الله.

* من خلال تجربتك السياسية كيف ترى مستقبل اليمن في ظل المشهد السياسي الضبابي ؟
- مستقبل اليمن يا سيدي تبدو موشراته على الأفق القريب مخيفة ومرعبة.. سماء ملبدة بالغيوم.. نذر شؤم تنعق بها البوم والغربان على أرجاء الوطن كله. وإذا كانت السطلة الفاسدة السابقة - الحالية قد أنتجت الثورة فإن مراكز القوى واللصوص والقتلة وعصابات المافيا التي تتحكم اليوم في مفاصل الأوضاع والسلطة نهبا وسلبا وتدميرا وفوضى لفرض سيطرتها وهيمنتها على البلاد والعباد سوف تنتج كارثة وطنية مهولة. طبعا الجنوب تجمع كل المؤشرات أنه ماض حتما نحو استعادة دولته في وقت غير بعيد، وإضافة إلى ذلك يسعون إلى إدخال الشمال في خضم من الفوضى والدمار والحرب الأهلية. فنحن ينبغي أن نفكر بواقعية بحيث إذا ذهب الجنوب إلى استعادة دولته، ونرجو أن يتم ذلك عبر استفتاء شعب الجنوب، فإن مهمتنا التاريخية ستكون بعدها كيف نحافظ على الشمال بكل ما أوتينا من قوة ومهما كانت التضحيات لنعيد بناءه على أسس ومقومات جديدة حديثة ديمقراطية صلبة.. هذا ما يجب أن نكرس له كل جهدنا من الآن تحسبا لما هو آت؛ فإنك للأسف الشديد إذا وليت وجهك اليوم لتبحث عن مؤشر لوجود دولة ولو بحده الأدنى في بلادنا فإنك لا تجدها وتجد بدلاً عنها عصابات ونهابة وقتله ومافيات!

* في مقال لك نشر مؤخرا دعوت إلى إعطاء الشعب الجنوبي حق الاستفتاء على مصير الوحدة ما الذي دفعك لتوجيه هذه الدعوة؟
- الحقيقة أن شعب الجنوب للأسف الشديد في غالبيته الساحقة أصبح كافرا بالوحدة. لا يقولن لي أحدا أن سلطة علي عبدالله صالح الفاسدة هي السبب.. نعم هي السبب، لكن ما نتج عنها وما تمخض عن ممارساتها بأساليبها المتخلفة ليس بحاجة إلى قرار إدانة أو عدم إدانه لنقنع شعب الجنوب أن الوضع سيكون أفضل برحيل صالح. كان المفروض بمن أتوا بعد صالح أو بعبارة أدق بمن أتى بعد صالح -لأنه لم يتغير شيء إلا صالح- أن يبادر سريعاً وبشكل ملموس وشامل إزالة كل آثار وسلبيات ونتائج ممارسات سلطة صالح المتخلفة في الجنوب على وجه الخصوص وفي سائر اليمن، لكن ذلك لم يحدث- للأسف- ولا يزال غائبا حتى الآن فكيف تريدوننا أن نقنع شعب الجنوب بأن يبقى بالوحدة لأن وضعه سيكون أفضل وهو لا يرى على الأرض شيئاً يقنعه بذلك؟
المصيبة أنهم يا سيدي يقدمون لشعب الجنوب رشاوي وحوافز ومقبلات ومشجعات هي أكثر ضررا وتدميرا من الانفصال ذاته.. قالوا فيدرالية من إقليمين، ويتقاسم الإقليمان سلطات ووظائف الدولة أفقيا ورأسيا ومن أعلى إلى أدنى بالمناصفة، يعني نص للجنوب ونص للشمال! بالله عليك أهكذا تبنى الدول؟! حتى في دول الفصل العنصري (الابرثهايد) ليس بهذا الشكل، يعني أنهم يريدون مغالطة شعب الجنوب وإرضاءه بحل مشكلته مقابل إثارة وتفجير مشكلة أكبر وأخطر وأفدح. يا إلهي كم هؤلاء القوم الذين يحكموننا وسلمهم الله مصائرنا جهلة ومتخلفين لأن كان علي عبدالله صالح قد دمر الوحدة هو وعلي سالم البيض بالطريقة العشوائية التي أقاموها عليها فإن الجديد سيدمر اليمن ككل وبشكل أخطر مما جناه السابقين نحن قلنا في المقال خلونا نستفتي شعب الجنوب ماذا يريد أولاً فإن اختار الوحدة عقدنا مؤتمر حوار وطني لمناقشة شكل الدولة التي نريد أن نبنيها بعد ذلك. أما إذا اختار الانفصال فليكن مؤتمر الحوار الوطني عندئذ مقتصراً على الشمال فقط.. هذا منطق الأمور حتى لا نقدم العربة قبل الحصان وننزلق نحن والحصان والعربة إلى الهاوية ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا.

* هل تتوقع نجاح الأطراف السياسية في تنفيذ المبادرة الخليجية؟
- أعتقد أن المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية كما وصفتها في أكثر من مرة في أحاديثي عبر الـ bbc أنها ليست صيغة حلّ على الإطلاق بل أراها صيغة تفجير للوضع ولا زلت أعتقد أنها سوف تفضي على ذلك ألا ترى أن البلد يتراقص اليوم على فوهة بركان ثائر.. غدا سينفصل الجنوب والممسكون بالسلطة يغذون الخطى حثيثا لتفجير حرب مع الحوثي، لماذا؟ وما السبب؟ علمه عند الله. ألم أقل لك إنهم يريدون زج الشمال في حرب أهلية ليتم انفصال الجنوب تحت غطاء القنبلة الدخانية لحرب أهلية في الشمال، دهنا.. ننتظر لنرى أنهم يعبثون بمصيرنا بمستقبلنا بحياتنا بأجيالنا بتطلعاتنا بآمالنا، والله المستعان.

*هناك من يقول إن التغيير في اليمن لم يحدث بعد سيما والقوى التقليدية ما زالت تؤثر في المشهد؟
- واضح جدا أن أي تغيير ولو بسيط لم يحدث.. النظام هو النظام ومراكز القوى هي مراكز القوى والقيادات السياسية والعسكرية هي هي (إلا هو علي عبدالله صالح) تغيير وابتعد واستبدلوه بالنائب عبد ربه، أما ماعدا ذلك فالوضع الوضع والسلطه السلطة!
الشيء الوحيد الذي حدث أنه في عهد علي عبدالله صالح كان هناك مركز قوى واحد يمثله علي عبدالله صالح وخبرته والتي قامت الثورة ضده اليوم صار علي محسن وأتباعه العسكريين مركز قوى أحمد علي وخبرته مركز قوى آخر.. أولاد الشيخ الأحمر مركز قوى مهيمن على الأحزاب والقبائل.. الإخوان المسلمين مركز قوى.
بين هؤلاء تحالف مصلحة يحرصون على بقاء الوضع كما هو خدمة لمصالحهم في الهيمنة والتسلط والإثراء غير المشروع وهم الذين يتحكمون في مفاصل السلطة الآن تفضلوا على بعض أحزاب المشترك كالاشتراكي والناصر والبعث واتحاد القوى وحزب الحق بمنصب هنا وهناك فأين يمكن أن يجي التغيير وأذرعه السرطان.. هذا يكوش على الجميع للأسف ذهبت تضحيات الثوار إلى وجهة خاطئة لكن أملنا بمعاودة الكرة الثورية مرة أخرى قريباً إن شاء الله.

* ببقاء أحمد علي وعلي محسن في مواقعهما هل نعتبر أن هيكلة الجيش مجرد شعار فقط؟
- قلت هذا وحللته بدقة في حوار لي مع قناة الميادين يوم 25 ديسمبر وقلت أن ما سمي بقرارات الهيكلة تضليل للرأي العام وذر للرماد على العيون؛ لأن تلك القرارات عملت تصوراً للهيكلة وهو تصور نظري ربما يستغرق سنوات، وقالوا لنا (هلالو) تمت الهيكلة كما لو أن أحداً جاءك بتصميم هندسي لبناء بيت وقال لك يجب عليك أن تصدق أن هذا التصميم هو البيت ذاته!! وأضف إلى ذلك أن القيادات الجديدة هي القيادات القديمة والأخطر من هذا كله أن الرئيس الجديد متأثر إلى العظم برئيسه السابق راح يفرز مجموعة من ألوية النخبة العسكرية ولواء الصواريخ وجعلهم تحت قيادته الشخصية المباشرة يعني صار هو قائد أعلى للجيش كله وقائد مباشر لجزء من الجيش في نفس الوقت، أيش هذا الصفاط؟ أيش هذا العبث؟ يعني كل رئيس لا يستطيع أن يحكم إلا بحرس جمهوري تابع له! ما هكذا تبنى الدول. هؤلاء حكام للأسف الشديد لا يملكون أي مشروع في أذهانهم للتغيير والمستقبل المنشود ويعوضوا عن خوائهم الفكري بإحاطة أنفسهم بهالات من الهيلمان الفارغ ولهذا قلت لك أن البلد برمتها باتت تتراقص على فوهة بركان ثائر وربنا يلطف.

* هناك من يقول أن الرئيس هادي لا يستطيع قيادة عملية التغيير في ظل وجود مثل هذه القوى وما هي الطريقة الأنسب لإزاحتها سيما والثورة قد فشلت في ذلك ؟
-الرئيس عبد ربه منصور هادي يتحمل الجزء الأكبر من المسئولية لأنه قبل بها وهو يعرف على أنه غير قادر عليها فأوهم الشعب أنه رجل المرحلة بينما تؤكد الشواهد أنه ليس كذلك، وبالتالي كان الأشرف له وقد وجد نفسه مأمور ومسيطراً عليه من قبل مراكز القوى العسكرية والقبلية والحزبية أن يصارح الشعب بعجزه نتيجة لهذا الوضع ويستقيل، وسيخلده التاريخ لو فعل ذلك، لكن يبدو أنه غير قادر حتى على تقديم الاستقالة (ما يمتلك عاد أمره) وهذا الوضع الغريب العجيب من رئيس لبلد حظي بالدعم اللا محدود والكامل من قبل العالم كله ومجلس أمنه، ثم يقال أنه غير قادر هذا الوضع هو الذي سيفجر البلاد إن استمر، ولهذا أنصح بكل الإخلاص والصدق الرئيس عبدربه وحكومة ما سمي بالوفاق أن يقدموا استقالتهم ذلك أزكى لهم وأطهر قبل أن يدخلهم التاريخ في صفحاته السوداء ولا تقل لي: وما البديل؟ لأن البديل الثوري إنما يأتي تلقائيا حينما تزاح العراقيل والمعوقات من الطريق.

* كيف تابعت عملية تقسيم مقاعد ممثلي الحوار بين المكونات والأطراف ؟
- والله يا سيدي هذه القسمة دلت على عبقرية الشيخ جمال بن عمر.. ضرب وقسم وجمع فصارت تقاسما، وقال إن كل مكون لا بد أن يقسم حصته 50% جنوبيين و30% نساء! وتصور حتى الحوثيين الذين يعبرون عن مشكلة صعدة قال لهم جمال بن عمر أن يكون ممثليهم مقسمين 50% جنوبيين و30% نساء ويالله من هذا الصفاط والمزاح الثقيل! أنا ما حصل أن قرأت في كتب التاريخ السياسي يوما أو سمعت أن بناء الدول يتم بالرشاوى والمحاصصة والإرضاءات، حتى مندوب الأمم المتحدة صار قبيلي تم تحكيمه من الأطراف القبلية عندنا وحكمه (مشرَّف) بدون (منهى) وفقا لأعراف القبائل، وقد شيخوه حين حكموه فأجاد القبيلة ههههههه!! الواقع يا سيدي أننا في مهزلة مأساوية أن تتم هذه المحاصصة حتى على وظائف الجهاز الإداري للدولة وحتى في الدول الديمقراطية الناشئة وشرط أساسي لأي ديمقراطية أن الجهاز الإداري للدولة من درجة وكيل وزارة فأدنى ينبغي أن يكون بل يجب أن يكون محيدا لا يخضع للتقلبات الحزبية الناتجة عن الانتخابات.. بمعنى أن هذا الجهاز الإداري لا يخضع أبدا إلا لقانون خدمة مدنية وللقضاء الإداري، أي أن لا أحدا ولا سلطة مهما كانت لها الحق أن تدخل في هذا الجهاز الإداري الذي يجب أن يكون ثابتا ومستمرا، وكل ما يحدث عقب أي انتخابات أن الحزب الحاكم له الحق فقط أن يعين الوزير ونائب الوزير كمناصب سياسية فقط، لكن لا الوزير ولا حزبه من حقه أن يغير في الجهاز الإداري للدولة وإلا صارت الأمور فوضى. بحّت أصواتنا منذ ما بعد الوحدة ونحن نطالب ونلح بالطلب بضرورة تثبيت الجهاز الإداري وإخضاعه لقانون الخدمة المدنية فقط حتى لا تبقى الوظيفة العامة سلاحا للدكتاتوريين يهددون به الموظفين في وظائفهم وأرزاقهم، لكن ما من أحد- لا من السلطة ولا من المعارضة- وكأن الطرفين لهم مصلحة في إفساد الجهاز الإداري! ولا يزال الأمر حتى الآن على حاله المعوج.

* ماذا تتوقع للحوار الوطني في ظل عدم تنفيذ النقاط 20؟
- ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني هو أصلا خلق ميتاً ومصيره معروف مسبقا لكن الأطراف المعنية الدولية (المخرجين) أرادوا منه إلهاء الناس وذر الرماد على أعينهم وتمرير أجندات موضوعة سلفا وتبرير عجز السلطات التنفيذية عن إحداث أي تغيير ولو في حده الأدنى. واسمع يا سيدي يوم ينادي المنادي معلنا مخرجات هذا المؤتمر المسخ مع التطبيل والتزمير حول تاريخية مخرجاته العظيمة والتي تتطلب سنوات لتطبيقها على أرض الواقع.. وإذاً يا خلق الله اتكلوا على الله وامنحوا عبدربه وحكومته تمديداً لكم سنة لينفذوا المهام العظيمة الجسيمة! هذا هو مؤتمر الحوار الوطني ومصيره، نفذت النقاط الـ 20 أو لم تنفذ، ولهذا لا تشغل بالك كثيراً حوله فهو في حكم العدم.

* هل ستشارك بالحوار الوطني؟
- لا يمكن أن نشارك.

* هل يستطيع النظام الحالي احتواء فصائل الحراك ومعالجة القضية الجنوبية؟
- الجنوب كما قلت لك سابقا في طريقه حثيثا إلى الانفصال فذاك حقه.. أعتقد أن أكثر من 80% من إخواننا الجنوبيين مصممون على الانفصال بعد ما عانوه وذاقوه. والرموز العليا للنظام الحالي، إذا جاز أن نسميه نظاما حاليا في حين أن هو نفسه النظام القديم، هؤلاء الذين يحكمون اليوم هم الذين سيضعون مشروع الانفصال قيد التنفيذ في آخر المطاف، لكن ليس قبل محاولتهم زج الشمال في اضطرابات وحرب أهلية سيقولون حينها: والله يا خلق الله حاولنا بكل ما نستطيع الحفاظ على الوحدة وقدمنا التضحيات في سبيل هذا الهدف، لكن تبين لنا الشمال ما منه فائدة وغير قابل للإصلاح ( hopeless case) وما كان أمامنا من خيار إلا فصل الجنوب للحفاظ على الجزء أفضل من ما يضيع الكل ومن هذه التخريجات انتظر- سيدي- قليلا لترى وانظر إلى خارطة المسئولين في المحافظات الجنوبية ( قيادات عسكرية، محافظين، قيادات أمنية، مسئولين تنفيذيين) كلهم جنوبيين (استثني- بالله- اللواء علي الجايفي حتى نكون دقيقين) وإذاً ماذا يتبقى لإعلان الدولة؟ فقط تبقى إعلان أو بيان يبث من وسائل الإعلام. هل هذا الوضع له ما يماثله في أي محافظة من محافظات الشمال؟
ولهذا كنت أقول دائما ولا زلت أقول إن حل القضية الجنوبية بالغ الأهمية، وهذا الحل لا يمكن أن يأتي إلا عبر وسيلة واحدة فقط وهو إجراء استفتاء تحت إشراف المنظمة الدولية لشعب الجنوب ليقرر ماذا يريد فهو وحده صاحب الشرعية وحدة أو انفصالا، ويجب احترام خياره.. هذا هو الحل ولا بديل له إلا الطوفان.

* هل تتهم الرئيس عبد ربه ومن يشاركه الحكم من أبناء الجنوب في التهيئة لانفصال الجنوب؟
- متابعاتي وتحليلاتي واستنتاجاتي تقول: نعم، أنا أدعو الله أن لا يفعلوا، لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه. أنا لا زلت أعتقد أنهم سيفعلون ذلك، أنظر إلى خارطة توزع وتمركز القوات الأمريكية في العند في عدن في سقطرة ويجري الإعداد لتمركزها في سواحل حضرموت، وأنت استنتج ما تريد.

* هل سيؤثر بيان مجلس الأمن الأخير على القضية الجنوبية ؟
- لا لا ليس له أي تأثير.. في الواقع مجلس الأمن الدولي أصبح وكرا يوفر الحماية للحكام الفاسدين القمعيين والعملاء وأعتقد أن الأمور تتقرر في النهاية وفقا للحقائق المتجسدة في الميدان. المجتمع الدولي هذا ليس لديه مبادئ أو قيم ثابتة هو في الأخير مع من يثبت نفسه في الميدان مع القوي أنت قوي سيحاوروك.

*هل تعتقد أن صالح سيبقى كرئيس للمؤتمر الشعبي العام بعد بيان المجلس الأخير؟ وهل هناك من فرص أمامه للعودة كمؤثر وفاعل سياسي؟
-لا، علي عبدالله صالح كشخص استنفد مهامه وانتهى سياسيا، كانت أهميته أنه يسيطر على البلاد بقبضة حديدية اعتمادا على أسرته وأقاربه ومجموعة الفاسدين. أما وقد ذهبت عنه السلطة فقد ذهب إلى غير رجعة (مو معه؟) لا علم ولا ثقافة ولا عبقرية، كان يعتمد على غلبة العصبوية. أعتقد أن الأمريكان وحلفاءهم يهيئون على المدى المتوسط للدفع بأحمد علي سياسيا عبر تدرج مرحلي ما، بمعنى أن عبدربه سيكون هو رئيس المؤتمر بالتأكيد لكن السلطة الحزبية الفعلية هي ستكون بيد عبدالكريم الإرياني وسيتم ترتيب مكان لأحمد علي في المؤتمر كرجل ثالث، وبعد ما يموت الإرياني سيحل محله أحمد علي وسيكون وارثا لكليهما للإرياني وعبدربه معا.. ليس هذا بقدرات أحمد الذاتية ولكن هذا ما يريده الأمريكان، وإذا ما أراد الأمريكان شيء أو يدعون إلى شيء رأيت الكثيرين مهطعين إلى داعي أمركيا!!

*هناك اتهامات لحزب الإصلاح بأنه يحاول السيطرة والاستحواذ على السلطة هل هناك مؤشرات بالفعل تدل على ذلك؟ وما تعليقك؟
-الإخوان المسلمين متفقون مع الغرب منذ ما بعد تأسيسهم ولا يزالون، وخاصة بعد أن تزعمت أمريكا للغرب، لهم دور مرسوم ومهمة معينة ضمن الاستراتيجية العالمية الغربية التي تقودها اليوم أمريكا وهي متصلة بما يسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. لا أريد هنا أن أكرر ما سبق أن تناولته بإسهاب شديد عبر 6 حلقات نشرتها في صحيفة الوسط الإسبوعية حول الإخوان المسلمين من خلال ما يجري في مصر وهي حلقات ست يضاف إليها 3 مقالات أخرى قبلها حول ذاك الموضوع ربما ستنزل على شكل كتيب قريبا، وعلى كل حال لمن أراد الاطلاع عليها سيجدها على موقعي الشخصيwww.alhakimi.com. والحقيقة أن تاريخهم كله حتى الآن يشهد على أنهم كانوا محاربين أشداء في معارك الغرب ضد حركات التحرر الوطني والأحزاب القومية واليسارية وكل القوى التي ناصبت الغرب الاستعماري العداء ولا يزالون كذلك حتى الآن، وإلا اعطني معركة واحدة خاضوها وأمريكا ليست عنها راضية.. طبعا باستثناء حماس التي تشكلت من عناصر إخوانجية مستقيلة عن الإخوان المسملين آنذاك، بمعنى أنهم شقوا عصا طاعة التنظيم الدولي وحاربوا إسرائيل، وهو ما ليس واردا عند الجماعات الإسلامية الذين ذهبوا للقتال في أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان وكوسوفو ..الخ. عموما لا أطيل عليك في هذا وأتمنى أن تجد فرصة في الاطلاع على الحلقات الست التي أشرت إليها فستجد فيها شرحا طويلا مسهبا.

* ما تقييمك لأداء حكومة الوفاق ؟ وهل تتابع أعمالها ؟
- إذا أردت تقييم أداء هذه الحكومة فاقرأ مقابلة صحفية أخيرة أجريت مع الأستاذ محمد سالم باسندوه رئيسها الذي شخص ببراعة نادرة وضع حكومته بكلمة واحدة وتلك عبقرية تحسب له (لا أدري)! لم تكن إجاباته عشوائية، بل كانت عميقة الدلالة لمن أراد أن يفهم، وقد أوجز فأبلغ كما يقولون.

* كيف تابعت قضية جرحى الثورة وما تعليقك عليها ؟
بالنسبة لجرحى الثوره وكذا شهداؤها فالسلطات الحاكمة تمارس انتقاما بشعا وعقابا شرسا ضدهم لأنهم قاموا بالثورة، وبالتالي فإن إهمالهم عقابهم ضربهم تقتيلهم.. هذا جزء من الانتقام منهم. حتى عضو مجلس النواب المعمر طويلا المناضل أحمد سيف حاشد الذي كان أول من خرج ثائرا وأول من نصب خيمته في ساحه التغيير، احترموا حصانته البرلمانية وشجوا رأسه فقط ولم يقتلوه.. كثّر خيرهم! فنحن أساسا في حالة صراع بين الثورة وأعداء الثورة، ولا عجب مما حدث ولا تعجب مما سوف يحدث.

* إلى متى ستظل اليمن محل تجاذب وصراع دولي وإقليمي على وجه التحديد؟
- اليمن أصبحت ساحة لصراعات دولية وإقليمية وما يجري فيها ليس لليمن أي مصلحة، وأعتقد أن محصلة ذلك الصراع ربما تنتهي بتقاسم النفوذ عليها بعد حين.. ربما يذهب الجنوب إلى منطقة نفوذ أمريكي غربي والشمال يذهب إلى منطقة نفوذ إيراني مقابل ضم البحرين إلى قطر. أعتقد أن هناك طبخات تجري من وراء الكواليس لتقاسم النفوذ على امتداد المنطقه كلها من أفغانستان وباكستان إلى المغرب مرورا بتركيا.. هناك فيما يبدو سايكس بيكو جديدة يتم صياغتها الآن والله أعلم.

* ختاما متى نرى الاستاذ عبدالله سلام الحكيمي في اليمن ؟
- إن شاء الله قريبا حينما يتوفر الحد الأدنى من الأمن والأمان يطمئن إليه شخص عادي مثلي لا يستطيع أن يحيط نفسه بحراسات تحميه.

* في الأخير أشكرك من أعماق قلبي أستاذي العزيز على إتاحة هذه الفرصة، وأتمنى لك التوفيق، وأن أراك قريبا بين أهلك وفي وطنك.
- إنما الشكر لك سيدي العزيز لأنك أبديت اهتماما بعجوز مثلي وأخرجته من صومعته ووفرت له فرصة ليبوح بشيء مما يجيش في صدره وشكرا جزيلا لك.

المصدر : أسبوعية اليقين - المساء برس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق