الأربعاء، 6 مارس 2013

مصر : بسبب الإنفلات الأمني وضعف الأجهزة الرقابية : مسلسل التعدي على الأراضي الزراعية.. عرض مستمر!!

 
ماجد صقر *
في ظل حالة الفراغ الأمني وانشغال الجهات المختصة وجميع فئات الشعب المصري بالأحداث المتتالية التي تشهدها البلاد منذ ثورة 25 يناير استغل البعض، الظروف الطارئة الحرجة التي تمر بها البلاد وقاموا بالتعدي على الأراضي الزراعية بمختلف محافظات جمهورية مصر العربية، خاصة منطقة الدلتا.

ولم تقتصر حالات التعدي فقط على الفلاحين؛ بل استغل أيضاً مجموعة من رجال الأعمال نفوذهم في استخدام مساحات شاسعة من الأراضي المخصصة لهم بغرض الزراعة في أنشطة أخرى.

ويأتي ذلك فيما أعلنت وزارة الزراعة مؤخراً أن إجمالي حجم التعديات على الأراضي الزراعية بالوادي والدلتا حتى الآن بلغت نحو 29 ألفاً و486 فداناً بإجمالي عدد حالات ما يقرب من 700 ألف حالة، مؤكدة أن محافظة المنوفية سجلت أعلى نسبة تعديات بنحو 3373 فداناً بإجمالي حالات بلغ 89 ألف حالة، وتلتها محافظة البحيرة بعدد تجاوز 88 ألف حالة بإجمالي 3370 فداناً.

ويدرس الآن مجلس الوزراء المذكرة المقدَّمة من وزارة الزراعة حول عدد من المقترحات لمواجهة التعديات على الأراضي الزراعية، والتي تشمل تشديد العقوبات، وإصدار قانون جديد لتجريم البناء أو انتزاع الملكية من كل المتعدين، وإعادة الأرض إلى ملكية الدولة كإجراء استثنائي لردع المخالفين.

دوافع وأسباب
ويؤكد الكثيرون أن تسيب الأجهزة التنفيذية وضعف أجهزة الرقابة وآلياتها والانفلات الأمني يتسبب في استمرار ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية.

كما أن لزيادة السكان دور رئيس في التعديات، علماً بأن قلة الأراضي المخصصة للبناء على مستوى القرى لا يتماشى مع زيادة سكان القرى وكثرة الشباب المقبل على الزواج وتأخير الحيز العمراني لتوابع القرى.. كل ذلك ساهم بدور كبير في انتشار ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية.

ومن جانبه أرجع المهندس محمود هيبة رئيس لجنة الزراعة واستصلاح الأراضي بمجلس الشعب المنحل انتشار ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية بالبناء المخالف نتيجة لافتقاد الدولة لهيبتها وعدم احترام القانون، وانتقد هيبة طرق التعامل مع التعديات على الأراضي الزراعية الذي نتج عنه تبوير 21 ألف فدان.

وطبقاً لإحصاءات وزارة الزراعة، فإن معدل التعديات على الأراضي يرتفع خلال فترات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، استغلالاً للوعود الانتخابية بحل مشاكل مخالفات التعديات، سواء بتشريعات برلمانية أو قرارات وزارية، بالإضافة إلى استغلال الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد في استمرار التعدي على الأرض الزراعية، الذي يجني صاحبه أرباحاً خيالية من تحويلها إلى مبانٍ.

مخاطر وكوارث
وتشير الإحصائيات إلى أن حالات التعدي على الأراضي الزراعية، منذ ثورة 25 يناير بلغت نحو 100 ألف فدان، وهذا الرقم من الممكن أن يتضاعف في ظل انشغال الأمن بالجانب السياسي، مما ينذر بكارثة حقيقية يمكن أن تؤدي إلى ثورة جياع في ظل العجز الواضح في المحاصيل الزراعية.

ويذهب الكثير من الخبراء الزراعيين إلى أن الزراعة المصرية تفقد أغلى ما لديها بسبب خسائر التعديات على الأراضي الزراعية بالبناء والتجريف، معتبرين أن التعديات كارثة بكل المقاييس إذا استمر الحال على ما هو عليه خلال السنوات القادمة، مما ينعكس بالسلب على توفير احتياجات الغذاء خصوصاً خلال السنوات القادمة التي تنذر بكارثة غذائية على مستوى العالم نتيجة التغيرات المناخية، علماً بأن الزراعة تستلزم وضع منظومة لتطبيق الإستراتيجية 2030 التي قدمت للحكومة، والتي عمل بها ما يقرب من 80 عالماً من خيرة العلماء في مصر، ومن خلال زيارات على أرض الواقع، ودراسات استمرت لسنوات.

هذا بجانب أن عمليات الإزالة والهدم تتسبب في ضياع جزء كبير من الثروة القومية التي استهلكت منها مواد البناء، مما يزيد من الإهدار الاقتصادي الذي ينتج من تنفيذ قرارات الإزالة والتي تكبد الفلاحين خسائر فادحة مما يتسبب في خلق احتقان بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، بالإضافة إلى أنه بعد تنفيذ قرارات الإزالة لا تصلح الأراضي للزراعة مرة أخرى.

وقد قدرت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية إجمالي التعديات على أراضى الدولة بالطرق الصحراوية بأكثر من مليون و300 ألف فدان لم يتم تقنين أوضاعها، فيما عدا 50 ألف فدان منها فقط، في حين جرى تحويل مساحات تصل لأكثر من 50 ألف فدان، إلى منتجعات سياحية بتلك الطرق، خاصة على الطرق التي تربط الإسكندرية والإسماعيلية والفيوم بالقاهرة، ولم تحصد الدولة سوى القليل من الأموال لتقنين أوضاع هذه المخالفات، بينما حقق المخالفون أو ما يطلق عليهم «مافيا المنتجعات» مليارات الجنيهات أرباحاً صافية.

ومن جهتها، أكدت لجنة الأمم المتحدة لتغيرات المناخ أن مصر من أكثر الدول تأثراً سلبياً بالتغيرات المناخية، بسبب التعديات على الأراضي الزراعية، وتصنيف مصر طبقا لتقارير اللجنة الدولية لمكافحة التصحر بأنها ضمن المناطق الأكثر قحولة على مستوى العالم، والأكثر تأثراً بالظاهرة، وانعكاسها على تدهور نوعية التربة، وانخفاض إنتاجية المحاصيل بسبب ارتفاع معدلات الملوحة والجفاف ودرجات الحرارة.

حلول ومواجهات
وعن المواجهات الفعلية للتصدي لهذه الظاهرة أوضح وزير الزراعة‏،‏ أن الوزارة تتابع القانون الجديد الخاص بتغليظ العقوبات على التعديات على أراضي الدولة‏،‏ من المنتظر إقراره من مجلس الشورى، وبالتالي يستهدف الحفاظ على الأراضي الزراعية في الدلتا ووادي النيل بعد أن وصل استنزافها إلى مراحل لا يمكن السكوت عليها حفاظاً على الأمن الغذائي للمصريين‏.

وأشار المهندس محمود العدوى ـ رئيس الإدارة المركزية لحماية الأراضي بوزارة الزراعة ـ إلى أن الإدارة اتخذت الإجراءات القانونية والإدارية حيال التعديات التي تقع على الأراضي الزراعية فور وقوعها بتطبيق القانون وتحرير محاضر للمخالفين‏، وإخطار أجهزة الشرطة بالمحافظات لتحريك الدعاوى القضائية ضد المخالفين‏.‏

وقال العدوى:‏ إن الإدارة تقوم بمتابعة التعديات بالمحافظات من خلال إعداد برنامج زمني لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية على مستوى المحافظات وإخطار مديريات الزراعة لسرعة استصدار قرارات الإزالة وتنفيذها قبل تطور المخالفة‏، مؤكداً أن الوزارة تقوم بإخطار وزراء التنمية المحلية والعدل والداخلية والكهرباء لإعطاء توجيهاتهم للأجهزة المعنية بسرعة تنفيذ الإزالات والحد من انتشار التعدي على الأرض الزراعية وعدم إدخال المرافق للمباني المخالفة‏، مع قيام الإدارة بتشكيل لجان متابعة دورية من قبل الوزارة للمرور مع أجهزة الزراعة بالمحافظات لمتابعة أي تعد يقع على الأرض الزراعية والعمل على إزالته فوراً بمعرفة اللجان المختصة والمعنية بالمحافظة‏.

ويعقب محمد عبد القادر نقيب الفلاحين على خطورة التهاون في التعامل مع المتعدين على الأراضي الزراعية الخصبة مندداً بافتقاد الإرادة في التعامل معهم، مضيفاً بأنه ليس هناك جهة لمواجهة تلك التعديات حتى الآن نظراً لعدم استقرار الأوضاع في البلاد.
* باحث بمركز الدراسات والبحوث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق