الفقيه القانونى والدستورى، الدكتور محمد نور فرحات، إحدى العقليات القانونية الفريدة، وأحد القلائل فى مصر الذين يمتلكون رؤية واضحة للمشهد السياسى المصرى، يتهمه البعض بمعارضة السلطة دون داعٍ، لكنه، رغم كل ذلك، يظل متمسكا بمكانه فى الصفوف الأمامية لكشف الحقائق الغائبة عن الناس. «التحرير» حاورت فرحات ليخرج كل ما فى جعبته تجاه الحكومة التى وصفها بأنها تعانى من «ضيق أفق»، وتصمم على أن تأتى ببرلمان لا يمارس اختصاصاته المنصوصة فى الدستور، وتعمق فرحات فى الحديث عن مستشارى الرئيس وعدم خبرتهم القانونية، مؤكدا أنهم يتسببون فى أخطاء كارثية، وإلى نص الحوار..
الفقيه الدستورى: مستشارو السيسى لا يخلصون له النصيحة.. ويتسببون فى أخطاء كارثية
نحن فى حالة حرب حقيقية مدعومة دوليًّا.. وهناك تعمد غربى لتزييف الحقائق لإعادة «الإخوان»
■ نصت المادة 33 من قانون الإرهاب على أن «يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية»، كيف ترى نص هذه المادة؟
- هذه المادة متناقضة، فمن حيث الركن المادى للجريمة، أولا: أن يكون النشر لمعلومات غير حقيقية، ثانيا: مخالفة البيانات الرسمية، وهذا يعنى أن هذه المادة تفرض أن البيانات الرسمية هى عنوان الحقيقة، وهذا مخالف للواقع، لأن هناك بيانات رسمية يتم نشرها ويتضح فى ما أنها غير صحية، ووظيفة الصحافة هى كشف الحقيقة للرأى العام.. كما أن هذه المادة مخالفة للدستور الذى يقضى بإلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر، ولذلك أطالب بتعديل تلك المادة على أن يكون نصها «يعاقب بعقوبة الحبس أو الغرامة كل من نشر معلومات كاذبة عن العلميات الإرهابية، من شأنها التحريض على العنف مع عمله بتزويرها»، وغير ذلك، فإن هذه المادة سوف تجلب لنا العار فى قضية حرية الرأى والتعبير على المستوى الدولى.
■ كيف ترى نص المادة 37 التى تنص على «فى قضايا الإرهاب المنصوص عليها فى هذا القانون، يحظر قيام أى فرد أو جهة بتسجيل أو تصوير وقائع جلسات المحاكمة بأية وسيلة كانت أو بثها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو على شبكات الاتصالات أو التواصل الاجتماعى أو على أية وسيلة أخرى، وذلك كله ما لم تأذن المحكمة، وتستثنى من هذا الحظر هيئة الأمن القومى»؟
- يبدو أن من وضع هذا القانون رجال الأمن القومى، لأن الأصل هو حرية النشر ما لم تحظر المحكمة النشر فى القضية، لكن هذا النص يجعل الحظر هو الأصل والإتاحة هى الاستثناء، وهو أمر مخالف تماما للدستور.
■ بعد حادث اغتيال النائب العام هشام بركات وأحداث سيناء الأخيرة، كيف ترى المشهد الآن؟
- نحن فى حالة حرب من نوع جديد، حيث شهدت مصر حروبا كثيرة هزمت فى بعضها وانتصرت، إنما عندما تكون الحرب فى أحشاء الوطن والشوارع والمدن، وتوجد عصابات لا هم لها إلا تحقيق أوهام وخرافات تخطاها الزمن بآلاف السنين، مثل إقامة ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية، واستيلاء الإسلاميين على الحكم، إذن نحن فى حالة حرب بين قوى تحافظ على الدولة المدنية المصرية وقوى تريد العودة بالبلاد إلى الوراء، وللأسف من خلال اتصالاتى الدولية اكتشفت أن الحرب مدعومة دوليا، سبق وسافرت أوروبا كثيرا خلال الفترة الماضية والتقيت عددا من السفراء، لكن لا يمكن إلا أن تُصاب بالدهشة عندما تستمع إلى معلومات مغلوطة، خصوصا أن هناك من يتعمدون تزييف المعلومات للوصول إلى نتيجة أن الإخوان المسلمين لا بد أن يعودوا إلى الحكم مرة ثانية، فى إحدى المرات كانت السفيرة البريطانية تتحدث عن انتهاكات جسيمة، ونحن لا ننفى وجود انتهاكات فى ملف حقوق الإنسان، لكن أن يصل الأمر إلى المطالبة بعودة فصيل سياسى رفضه الشعب إلى سدة الحكم، تعد مسألة تجعلنا نتساءل هل هناك مشروع لتحطيم مصر فى إطار مشروع أكبر هدفه تحطيم العالم العربى بأكمله وتحويله إلى مجموعة من الدويلات الطائفية التى تتحكم فيها المذاهب والعقائد الدينية شيعية كانت أم سنية، أعتقد أن هذا المشروع موجود فعلا.
■ هل كان من الضرورى أن يكون على رأس النظام، فى الوقت الحالى، عقلية عسكرية؟
- أرى أهمية فى أن يرأس مصر قائد عام للقوات المسلحة المصرية، وهذا اختيار المصريين باكتساح من أجل قيادة مصر فى معركة ضد مشروع مدعوم دوليا لتحطيم الوطن، لكن لدينا ملاحظات كثيرة على الأداء والتصريحات والقوانين، وانطباق هذه القوانين مع الدستور، ولكن هذه الملاحظات فى الغالب نكتمها فى صدرونا ما دامت المعركة مستمرة، وفى النهاية القائد العسكرى بعد انتهاء المعركة يُسأل هل نجح فى إدارة المعركة أم كانت هناك وسائل أفضل لإدارة المعركة لم يتم اتباعها، لكن السؤال لا يقدم الآن، وإنما يقدم عندما يتم انتهاء المعركة.
■ ماذا كنت ستقدم إذا كنت فى موقع متخذ القرار؟
- كنت سأرفع شعار «قليل من القانون وتعديلاته وكثير من الاهتمام بمضمون أداء الدولة المصرية»، وطالبت بإعلان حالة الطوارئ، سواء فى سيناء أو فى بعض المناطق المهمة، خصوصا أن إعلان حالة الطوارئ سيكفل للدولة سلطات كثيرة دون الوقوع فى محاذير مخالفة الدستور، مثل سلطة القبض والاعتقال وتوسيع دوائر الاشتباه ومراقبة الاتصال، وغير ذلك من السلطات المعروفة فى حالة الطوارئ، لكن الدولة المصرية تتردد فى إعلان حالة الطوارئ، لأنها تتصور أنها إذا أعلنتها سيؤذى سمعتها الدولية، وأرى أن كل دولة من حقها أن تضع أمامها هدفا أساسيا، وهو الدفاع عن مصالحها.
■ تتحدث عن فرض حالة الطوارئ هل تقصدها بشكل جزئى أم شامل؟
- أقصد فى المناطق التى تتعرض فيها البلاد للأخطار، وتحديدا فى سيناء، فكيف تكون فى بلد يوجد فيه فصيل الإسلام السياسى مع تنظيمات «داعش» و«أنصار بيت المقدس» و«الإخوان المسلمين»، وتقول إن حالة الطوارئ لا تُفرض إلا مرتين، فإذا قمنا باستفتاء شعبى، ما تكلفته؟ وما الإجراءات التى تتبع للاستفتاء؟ وهل الوقت يسعفنا أم لا؟ ولذلك أدعو إلى ضرورة إعادة النظر فى هذا النص فى ضوء الظروف التى نحن فيها الآن، وبما يسمح بتمديد حالة الطوارئ بضوابط فعلية، مثل موافقة ثلثى البرلمان، وبالتالى لا بد من وجود البرلمان، لأنه أحد العناصر الأساسية لمكافحة الإرهاب.
■ ما الأخطاء التى تقع فيها الدولة المصرية من وجهة نظرك؟
- توجد مشكلة موجودة فى الدولة المصرية من قبل ثورة 52، تتمثل فى أن جهاز الدولة عندما يواجه مشكلة غير قادر على حلها يتجه إلى إصدار قانون، فمثلا عندما لا يجد حلا فى ملف الإسكان يضع قانونا، وإذا وجد التعليم مترديا يضع قانونا، وإذا لاحظ مشكلة فى المستشفيات يضع قانونا، ولكنه لا ينفذ القانون ولا يحل المشكلة، لا أحد يفكر أن هناك أساليب علمية لحل المشكلة بجانب القانون، وعدم الاكتفاء بالقانون وحده، وأرى أن المشكلة الرئيسية فى مصر من وجود تحدٍّ رئيسى يواجه الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو كيف يمكن أن يتحول جهاز الدولة بكل فروعه إلى جهاز فاعل ناجح قادر على القيام بوظائفه بكفاءة، لن أتحدث عن التعليم والصحة، أو أن وزير التعليم كان يريد تبرئة ذمته لذلك يريد تغيير قانون الجامعات، رغم أنه لا توجد جامعات أصلا، وأيضا كلما واجهت الداخلية مشكلة أمنية تبحث عن تعديل القانون، ويفشل تعديل القانون فى مواجهة المشكلة الأمنية، وعلى سبيل المثال عندما واجهت مشكلة أمنية تتمثل فى تجارة المخدرات وانتشارها فى مصر عدلوا قانون العقوبات ووصلوا بعقوبة جلب المخدرات من الخارج إلى الإعدام، ورغم ذلك انتشرت المخدرات فى مصر، ثم قالوا إن الطرق فى مصر وضعها سيئ، وأن حوادث الطرق أكثر نسبة حوادث فى العالم فكروا فى تعديل القانون وتزويد الغرامات، ووضعوا عقوبات الحبس على كثير من الجرائم، ورغم ذلك استمرت المشكلة وتفاقمت، وعليهم إدراك أن تحسين الأداء والأخذ بالأساليب العلمية الحقيقية لرفع مستوى أداء مختلف أجهزة الدولة لا يقل بل يزيد فى أهميته على مجرد إبراء ذمة بكتابة كلمتين فى القانون يوضع فى الأدراج ولا يطبق.
■ كيف ترى الجهاز الأمنى للدولة المصرية؟
- هناك مشكلة حقيقية فى الجهاز الأمنى، بعض الناس يتحدث كثيرا عن إعادة هيكلة الشرطة دون أن يحدد ما المقصود بإعادة هيكلة الشرطة، وأن إعادة هيكلة الشرطة تعنى شيئا واحدا، وهو الخاص بالحساب النهائى لأداء وزير الداخلية، ولا بد من الإجابة عن سؤال هل هذا الأداء حقق الهدف منه فى حماية الأمن وتقليل الإرهاب والجرائم أم أدى إلى نتيجة عكسية؟ فى الغالب فى عهد الوزير الحالى والسابق والأسبق الإجابة ليست فى صالحهم، وهو ما يعنى أن لديهم مشكلة فى الجهاز، إذ لديهم عديد من الضباط وأمناء الشرطة الذين يرون أن هناك ضغينة شخصية بينهم وبين كثير من طوائف الشعب نتيجة لقيام الشعب بثورة 25 يناير، وأرى أنه لا بد من إعادة هيكلة جهاز الشرطة أولا عن طريق التطهير، فكل من يثبت عليه التقصير فى العمل أو تواطأ مع الجماعات الإرهابية أو شبهة تكاسل أو غير ذلك ينصرف فورا، ثانيا إعادة تدريب الجهاز، ثالثا لا بد من العودة إلى ميزانية جهاز الشرطة، خصوصا أن المستشار هشام جنينة شكى للرئيس أن وزارة الداخلية ترفض إطلاعه على رواتب كبار الضباط حتى لا يخضعوا لقانون الحد الأقصى للأجور، نحن نريد مجلس شعب يطلب من وزير الداخلية الكشف عن مخصصات الوزارة إلى أين يتم صرفها، وأخشى أن يكون الجزء الأكبر من ميزانية الوزارة ينفق على مكافآت ورواتب كبار العاملين بالوزارة دون النظر إلى تحديث أداء الوزارة.
■ هل لديك أى ملاحظات أخرى على أداء وزارة الداخلية؟
- سمعنا عن وجود أجهزة صغيرة الحجم توضع داخل السيارات للشخصيات المهمة يمكنها الكشف من على بعد نصف كيلو عن المتفجرات، وهو جهاز رخيص الثمن، فلماذا لا تزود الداخلية بهذه الأشياء، «هم فالحين بس يزودوا الداخلية بأجهزة تنصت على المكالمات التليفونية كى تتبع نور فرحات ومحمد أبو الغار»، نحن لسنا أعداء الدولة، كما أننا من أنصار الدولة ولسنا أعداء السيسى وإنما من أنصاره، لكن هذه الممارسات تؤدى إلى هدم الدولة بعدم دراية، لذلك يجب النظر إلى ميزانية وزارة الداخلية، وأن يخصص الجزء الأكبر من الميزانية إلى تحديث أداء الجهاز ودعمه بالتكنولوجيا الحديثة وتدريبه تدريبا جيدا.
وأرى أن هناك عيوبا رئيسية فى منظومة الدفاع عن أمن مصر، وهى تتكون من 3 عناصر، وهى جمع المعلومات، والتأمين الفعلى للمواطنين والمنشآت والشخصيات العامة، والقدرة على ملاحقة مرتكبى الجرائم ملاحقة سريعة فورية، والقبض عليهم مع الالتزام بنصوص القانون والدستور، هذه العناصر غائبة تماما، وقد كان لدينا جهاز قادر على جمع المعلومات، ولكن توجد مشكلة حقيقية فى جمع المعلومات بطريقة قانونية، وفى أثناء فترة مبارك كان لدينا جهاز قادر على جمع المعلومات بطريقة تخالف القانون، وهو جهاز مباحث أمن الدولة، حيث كان يجمع الأشخاص المشتبه فيهم ويعذبهم للحصول على اعترافات، وبعد ذلك فى المحكمة يحصلوا على أحكام بالبراءة، وبالتالى لا بد أن يتعلم القائمون على أمن مصر كيف يجمع المعلومات بكفاءة مع الالتزام بالقانون، وأن يحصلوا على دورات تدريبية، وكان لدينا جهاز أمنى من أفضل الأجهزة فى العالم صنعه ضابط جيش وهو زكريا محيى الدين، فهو من أسس المخابرات ومن نظم جهاز الشرطة، وأثبتت كفاءة رفيعة المستوى، ولا بد أن يسأل رئيس جمهورية نفسه كيف يمكن تحديث أداء الجهاز الأمنى بما يحقق هدفين، الأول تحقيق الأمن بعناصره الثلاثة السابقة، والثانى الالتزام بالقانون والدستور، لأن الدولة تفرق عن العصابة فى أنها محكومة بالقانون، وإذا فقدت هذه المسألة فقدت وصفها كدولة، حتى فى الظروف الاستثنائية تستطيع أن تضع الدولة قوانين منظمة لهذه الظروف الاستثنائية، كما لا بد من رفع فاعلية الأمن.
■ هل فشل الرئيس فى تحقيق الأمن والأمان للمواطنين؟
- لا نريد توجيه حديث يؤثر على معنويات القائد فى أثناء المعركة، والإجابة عن هذا السؤال سأقدمها فى نهاية مدة ولايته الأولى، ولكن كل ما يمكن قوله إن الشعب ينتظر من أجهزة الأمن، سواء جيشا أو شرطة أداء أفضل، وينتظر أجهزة أفضل لجمع المعلومات، كما ينتظر خططا أفضل لتأمين المنشآت والشخصيات المهمة، وملاحقة مرتكبى الجرائم.
■ كيف ترى رجال القانون حول الرئيس؟
- فى البداية أقول إن رئيس الجمهورية ليس رجل قانون، وجلست معه أكثر من مرة، سواء فى أثناء اجتماعات المجلس العسكرى مع رجال القانون فترة ثورة يناير، وفى أثناء الحملة الانتخابية، فهو ليس رجل قانون، لكنه مخلص ومحب لوطنه، وأرى أن رجال القانون المحيطين بالسيسى لا يخلصون له، سواء بالنصيحة أو المشورة.
ولا بد أن تكون ممارسة جهاز الشرطة فى مواجهة الجريمة الإرهابية تحت رقابة القضاء، وذلك حتى إذا حدثت مشادة بين مواطن وضابط شرطة لا يتم تحرير محضر إرهاب، نظرا لوجود رقابة قضاء، والداخلية مع كل الاحترام لشهدائها نحن لا نثق فى صدق ما تقوله الداخلية، لا بد أن تكون ممارسة رجل الشرطة فى مواجهة الجريمة الإرهابية تحت رقابة النيابة العامة والقضاء.
■ أيهما تفضل قانونا جديدا للإرهاب أم تعديل قانون العقوبات؟
- لا بأس من وضع قانون جديد للإرهاب، بشرط أن يكون متوافقا مع الدستور، ولا يحق لأى شخص فى مصر حتى رئيس الجمهورية إصدار قانون مخالف للدستور، حتى إذا كان بدعوى حماية أمن الوطن.
*منقولا*
منقول
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق