الجمعة، 29 مارس 2013

مفاجأة عن مرسى





مفاجأة عن مرسى
أدى ما تعيشه البلاد من أحداث متلاحقة ساخنة ومتناقضة وغير منطقية أو مبررة فى كثير من الأحيان إلى أن يسأل الكثيرون: كيف يحكم الرئيس محمد مرسى... هل يعمل لصالح مصر أم لصالح الجماعة والتنظيم الذى يتبعه؟ هل أصدر قرارات جمهورية لصالح خيرت الشاطر ورجال أعمال الجماعة أم لم يصدر؟ هل يدير الأمور بطريقة تحقق أهداف الثورة التى أتت به إلى منصبه أم تحقق أهداف الجماعة الموضوعة منذ ثمانين عاما؟ هل يقود البلاد على طريق التنمية والإصلاح أم غرق فى براثن الصراع السياسى ودهاليز البيروقراطية بتفاصيلها اللامتناهية؟

الإجابة التى نقدمها فى هذه السطور استنادا إلى معلومات موثقة تؤكد أن أحدا لا يمكنه أن يعرف على وجه التحديد كيف يحكم مرسى مصر، لأنه ببساطة يحكمها «سرا» وبطريقة غير علنية ثلاثة أرباع الوقت، والدليل على ذلك أن %73.6 من قراراته الجمهورية التى اتخذها منذ توليه السلطة سرية وغير منشورة، و%26.4 منها فقط هى المنشورة والمعلنة، وذلك وفقا للإحصاءات المسجلة بالجريدة الرسمية داخل قاعدة البيانات التشريعية التى تمثل «الذاكرة القانونية والمؤسسية» الرسمية العلنية لمصر.

لابد من أن نشير فى البداية إلى أن الشعب من حقه أن يجرى تقييما لأداء الرئيس ويحكم على تصرفاته بالسلب والإيجاب طوال الوقت، وفى المقابل فإن الرئيس من حقه أن يكون هذا التقييم مستندا إلى معلومات صحيحة موثقة، ويجرى وفق معايير موضوعية وعادلة، وتعتبر القرارات الجمهورية الصادرة عن الرئيس وبتوقيعه من أهم مصادر المعلومات الصحيحة الموثقة التى يمكن استخدامها كأداة من أدوات قياس وتقييم أدائه، فمن خلال مراجعة وتحليل هذه القرارات يمكن استخلاص توجهات الرئيس وأهدافه وكفاءته فى الإدارة والحكم، ومن هنا يصبح توافر أو عدم توافر هذه القرارات من الأمور الفائقة الأهمية فى تقييم أدائه، وفى قياس مدى التزامه بقيم الشفافية والنزاهة والحرص على المكاشفة وإعطاء المواطنين حقهم فى المعرفة.


انطلاقا من ذلك.. لم يستهدف هذا التحليل الإجابة عما إذا كان الدكتور مرسى يحكم لصالح البلاد أم لصالح الجماعة، وإنما استهدف إنجاز الخطوة التى تسبق هذا السؤال وهى: هل ينشر الرئيس قراراته بصورة تساعد الجميع على الوصول إلى الإجابة بصورة سليمة أم لا ينشرها ويترك الساحة مظلمة ونهبا للاجتهادات والشائعات. لإنجاز التحليل بهذه الصورة تطلب الأمر جهدا مضنيا للوصول إلى قرارات الرئيس التى أصدرها منذ توليه السلطة، ومعرفة ما نشر منها وما لم ينشر ولا يزال طى السرية والكتمان، مع إعطاء الرئيس حقه فى المقارنة مع من سبقوه، حتى لا يكون التحليل مجتزأ من سياقه، وفى هذا السياق جرى استخدام قاعدة البيانات التشريعية القومية لمصر، والاستفادة بأدوات البحث والتصنيف والتحليل الموجودة بالقاعدة فى الوصول إلى المواد والمعلومات اللازمة للتحليل، والتى تم تحديدها كالتالى:

- القرارات الجمهورية الصادرة خلال عام 1982 باعتباره العام الأول لتولى الرئيس السابق حسنى مبارك للسلطة لمقارنته مع العام الأول لمرسى فى السلطة.

- القرارات الجمهورية الصادرة خلال الفترة من 1 يناير 2009 وحتى 31 ديسمبر 2010 باعتبارهما الفترة السابقة على اندلاع ثورة يناير، وهى فترة لابد من التعرف عليها واستخدامها فى المقارنة لتوضيح الاختلاف فى الأوضاع قبل وبعد الثورة
.
- القرارات الصادرة خلال الفترة من 11 فبراير 2011 وحتى 30 يونيه 2012 باعتبارها الفترة التى قضاها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى السلطة وتسلمه مهام رئيس الجمهورية.


- القرارات الجمهورية الصادرة خلال الفترة من 1يوليو 2012 إلى 14 مارس 2013 باعتبارها من العام الأول لمحمد مرسى فى السلطة.

- أعداد الجريدة الرسمية المسجلة بقاعدة البيانات التشريعية فى الفترات الثلاث من حيث العدد ودورية النشر، باعتبارها الوعاء الذى يحمل كل القرارات الجمهورية فى الفترات الثلاث.

الفرز والتحليل

بعد الانتهاء من تجميع المعلومات على النحو السابق، تم فرز وتحليل البيانات باستخدام جداول البيانات الإحصائية الإلكترونية للوصول إلى نسب القرارات العلنية المنشورة، والسرية غير المنشورة لدى كل من حسنى مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومحمد مرسى، وقبل عرض النتائج لابد من الإشارة إلى أن الأصل هو نشر القرارات الجمهورية والإعلان عنها عبر الجريدة الرسمية، حيث تصبح سارية اعتبارا من تاريخ النشر، والاستثناء هو حجب هذه القرارات عن النشر ونطاق العلنية العام لظروف تتعلق بالأمن القومى أو كونها من أسرار الدولة العليا التى تتطلب التعامل معها بصورة مختلفة، وجرى العرف على أن يكون الاستثناء فى نطاق ضيق أو محدود، وفى هذا السياق كشفت التحليلات كما يوضح الجدول رقم «2» عن الآتى:

فترة مبارك

- فى عام 1982 العام الأول لتوليه السلطة أصدر مبارك 632 قرارا جمهوريا، كان من بينها 312 قرارا علنيا منشورا بالجريدة الرسمية ومسجلا بقاعدة البيانات التشريعية، و320 قرارا سريا غير منشور بالجريدة الرسمية وغير مسجل بقاعدة البيانات التشريعية.



- فى عام 2009 أصدر مبارك 407 قرارات جمهورية كان من بينها 222 قرارا علنيا منشورا و320 قرارا سريا غير منشور.

- فى عام 2010 أصدر مبارك 378 قرارا جمهوريا كان من بينها 203 قرارات علنية منشورة و175 قرارا سريا غير منشور وبالتالى يكون إجمالى عدد القرارات الجمهورية العلنية فى الفترات الثلاث 737 قرارا، مقابل 680 قرارا سريا غير منشور.

فترة المجلس العسكرى

- خلال الفترة من 11 فبراير 2011 إلى 31 ديسمبر 2011 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة 315 قرارا باسم رئيس المجلس، كان من بينها 188 قرارا علنيا منشورا و127 قرارا سريا غير منشور.



- خلال الفترة من 1 يناير 2012 وحتى 30 يونيه 2012 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة 391 قرارا كان من بينها 97 قرارا علنيا منشورا و294 قرارا سريا غير منشور.
وبالتالى يكون إجمالى عدد القرارات الصادرة عن المجلس خلال فترة توليه السلطة 706 قرارات، من بينها 285 قرارا علنيا منشورا و421 قرارا سريا غير منشور.


فترة مرسى

- أصدر الدكتور محمد مرسى 449 قرارا جمهوريا خلال الفترة من 1 يوليو 2012 وحتى 31 ديسمبر 2012، كان من بينها 123 قرارا علنيا منشورا و326 قرارا سريا غير منشور.



- خلال الفترة من 1 يناير 2013 وحتى 14 مارس 2013 أصدر مرسى 180 قرارا جمهوريا، كان من بينها 43 قرارا علنيا منشورا، و137 قرارا غير سرى غير منشور.

وبالتالى يكون إجمالى القرارات عن محمد مرسى 629 قرارا جمهوريا بينها 166 قرارا علنيا منشورا، و463 قرارا سريا غير منشور.

منحنى السرية يرتفع.. والعلنية ينخفض

عند تحليل الأرقام السابقة نجدها تصنع منحنى للعلنية، يميل للانخفاض عبر الزمن، ومنحنى للسرية يميل للارتفاع عبر الزمن أيضا، وكما يوضح الشكل رقم «1»، فإن أعلى مستويات العلنية فى الفترات الثلاث تحقق خلال العامين الأخيرين من عهد مبارك، فيما وصلت مستويات السرية إلى أعلى مستوى لها فى عهد محمد مرسى، ولو تتبعنا الخط البيانى فى هذا الشكل سنلاحظ الآتى:

- وصلت نسبة القرارات الجمهورية العلنية إلى %49.4 فى عام 1982، ثم ارتفعت قليلا خلال العامين السابقين للثورة لتسجل %54.1 بفارق إيجابى مقداره %4.7، ثم يهبط المنحنى بصورة واضحة خلال فترة تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتصل إلى %40.4، بفارق سلبى مقداره .7 عن مستوى العلنية الذى كان سائدا فى العامين الأخيرين من حكم مبارك، ثم واصل منحنى أو الخط البيانى لمستوى العلنية فى القرارات الجمهورية هبوطه الحاد فى عهد مرسى ليسجل %26.4، بفارق سلبى مقداره عن فترة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، و%27.7 عن العامين الأخيرين من حكم مبارك.

- وصلت نسبة القرارات الجمهورية السرية غير المنشورة إلى %50.6 فى العام الأول من حكم مبارك، ثم انخفضت إلى %45.9 خلال العامين الأخيرين من حكمه، أى تراجعت بنسبة %4.7، ثم ارتفعت هذه النسبة بوضوح خلال فترة تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ووصلت إلى %59.6، أى زادت على مستوى السرية والحجب الذى كان سائدا فى العامين الأخيرين من حكم مبارك بنسبة .7، ومنذ تولى محمد مرسى لرئاسة الجمهورية أخذت نسبة القرارات السرية غير المنشورة فى الارتفاع بصورة حادة، ووصلت إلى %73.6، بزيادة قدرها عن نسبة القرارات السرية التى كانت سائدة فى عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، و%27.7 عما كان سائدا فى العامين الأخيرين من حكم مبارك.

- بالتحليل التفصيلى لقرارات مرسى السرية والعلنية خلال فترة حكمه، وجد أن الميل للسرية اكتسح الحفاظ على العلنية والوفاء بحق الناس وذاكرة الدولة فى المعرفة طوال شهور حكمه، ويوضح الشكل رقم «2» أن فترة الذروة فى حجب القرارات الجمهورية تمثلت فى شهرى نوفمبر 2012، ويناير 2013، ففى شهر نوفمبر 2012 أصدر مرسى 97 قرارا جمهوريا، حجب منها 74 قرارا ونشر منها 23 قرارا، وفى يناير 2013 أصدر 98 قرارا جمهوريا، حجب منها 73 قرارا ونشر منها 25 قرارا، أما القرارات العلنية فلم تسجل فترات ذروة، بل كانت جميعها فترات هبوط حاد، فيما عدا شهر سبتمبر 2012 التى وصل فيها عدد القرارات العلنية إلى 27 قرارا، مقابل 46 قرارا سريا، أى كان عدد القرارات العلنية أعلى قليلا من نصف عدد القرارات السرية، وفيما عدا ذلك كان الفارق شاسعا، كما هو الحال فى الشهر الأول الذى تولى فيه الرئاسة وهو يوليو 2012، حيث اتخذ فى هذا الشهر 76 قرارا نشر منها 15 فقط وحجب 61 قرارا، والشهر الثانى أغسطس 2012 الذى أصدر فيه 71 قرارا نشر منها 12 قرارا وحجب 59.

فى ضوء الأرقام والنسب السابقة يمكن القول إن فترة مرسى مقارنة بسنوات مبارك 1982 و2009 و2010، وفترة تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هى الأشد إظلاما وحجبا للقرارات الجمهورية، ومنعها من النشر والتسجيل فى الذاكرة القانونية للبلاد المتمثلة فى قاعدة البيانات التشريعية للبلاد، بل الأخطر من ذلك أن الرئيس الحالى يتوسع بشدة بمرور الوقت إن لم يكن يسرف بالفعل فى هذا الأمر، فخلاصة الأرقام السابقة أنه خلال العام الأول والعامين الأخيرين من حكم مبارك كانت نصف القرارات الجمهورية تقريبا سرية، وفى عهد المجلس العسكرى زاد نطاق السرية وتراجعت العلنية ليصبح ثلثا القرارات الجمهورية تقريبا سرية، أما فى عهد مرسى أصبح واحد من بين كل أربعة قرارات، أو ما يناهز ثلاثة أرباع قراراته التى يتخذها يضرب حولها نطاق من السرية ولا يعلن أو ينشر فى الجريدة الرسمية، بعبارة أخرى هو يحكم مصر سريا ثلاثة أرباع الوقت إن جاز التعبير، ويعرض الجدول رقم «3» أرقام القرارات الجمهورية التى أصدرها مرسى ولم تنشر بالجريدة الرسمية المسجلة بقاعدة البيانات التشريعية، وأيضاً لم تسجل فى قاعدة البيانات، وتعد عمليا خارج نطاق الذاكرة القانونية المعلنة لمصر، ويقتصر وجودها على مكان ما داخل رئاسة الجمهورية.

هذه النتيجة تخالف ما كان متوقعا أو مأمولا حدوثه بعد الثورة والتحول نحو البناء الديمقراطى القائم على المكاشفة والشفافية والعلانية فى اتخاذ القرارات، ويؤكد ما قلناه فى البداية من أن الرئيس يدير البلاد بطريقة لا تساعد على تقييم أدائه تقييما صحيحا موضوعيا، لأنه معظم قراراته غير معلومة، ومن ثم يستحيل الحكم على سلامتها من عدمه، وبالطبع فإن هذا الوضع الذى ترتفع فيه وتيره التعتيم والإظلام بهذه الصورة المخيفة، يجعل المواطن معذورا إن لم يكن محقا فى أن يضع التفسير الذى يراه لما يجرى حوله من أحداث، وأن يقيم أداء الرئيس بالطريقة التى تعجبه مادامت أفعال الرئيس الموثقة فى قراراته غير معروفة، هذا فضلا عن أن الميل الجارف نحو عدم الشفافية يفتح المجال واسعا للتكهنات والأقاويل والشائعات والتخمينات التى تطلق طبقا لأهواء وقدرات ورؤى أصحابها، وتنال من الرئيس ومن موضوعية وعدالة الحكم على قراراته، وتثير فى الأفق تساؤلات كثيرة من بينها: هل أصدر ويصدر مرسى قرارات سرية لمجاملة الشاطر وجماعة الإخوان أم لا؟

خلاصة ما سبق أن الدكتور مرسى لا يحكم مصر بشفافية تعين المراقبين والباحثين والمواطنين عموما على معرفة الطريقة التى يدير بها البلاد، بل يمارس قدرا غير مسبوق من التعتيم على ما يتخذه من قرارات، وتقديرنا أن هذا أمر بالغ الخطورة، ويستدعى مناقشة هادئة من قبل جميع الأطراف والمؤسسات دون استثناء، للوقوف على أسباب التوسع الشديد فى التعتيم على القرارات الجمهورية الصادرة من الرئيس إلى هذه الدرجة غير المسبوقة والبحث فى كيفية تفادى هذا الوضع الذى لا يتناسب مع ما كان يفترض تحقيقه بعد الثورة من شفافية وكفاءة فى الإدارة والحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق