السبت، 31 ديسمبر 2016

الرشوة الكبرى: «الرقابة الإدارية» تطالب «مجلس الدولة» بجميع الأوراق والعقود التى وقعها «اللبان» خلال الـ3 سنوات الماضية

كشفت مصادر قضائية عن أن وفداً من الرقابة الإدارية زار المستشار محمد مسعود، رئيس مجلس الدولة، أمس الأول، واستمر اللقاء لأكثر من ساعتين، طالبوه وقيادات المجلس بجميع الأوراق والعقود التى أبرمها جمال الدين اللبان مدير مشتريات المجلس المتهم بـ«الرشوة» خلال آخر 3 سنوات.
وكانت هيئة الرقابة الإدارية ألقت القبض، الثلاثاء الماضى، على «اللبان»، بتهمة حصوله على رشوة، وبعد تفتيش منزله عثر على مبالغ مالية متنوعة العملة تصل قيمتها إلى 150 مليون جنيه، بالإضافة إلى عدد من المشغولات الذهبية.

وقال عدد من قضاة مجلس الدولة -رفضوا ذكر أسمائهم- بمجلس الدولة، إنه كان من المنتظر أن يتخذ المجلس قراراً جريئاً بتصويب الأخطاء، ومساءلة رئيس وأعضاء الأمانة العامة التى كان المتهم يعمل تحت رئاستها، ومحاسبة المخطئ بينهم إذا أثبتت التحقيقات ذلك، إلا أنه أصدر بياناً ضعيفاً لا يحقق الآمال التى عقدها الشعب على تلك المؤسسة العريقة فى حماية الحقوق والحريات، إذ ذكر البيان نصاً أن «المتهم يعمل موظفاً إدارياً بمجلس الدولة، وليس من أعضاء الهيئة القضائية، وهذا ما يعلمه جميع الناس، لأن الصحافة نشرت أنه مدير مشتريات فما الجديد؟، وأن المبالغ التى تم ضبطها مع المتهم تخصه، ويقع عليه عبء إثبات مصدرها فى تحقيقات النيابة».
وأوضحوا أن رجال الرقابة الإدارية تجاهلوا الأمانة العامة بمجلس الدولة، التى كانت تختص بعمل مدير المشتريات، وذهبت إلى رئيس المجلس، الذى بدوره حولهم إلى المستشار وائل شلبى الأمين العام بمجلس الدولة، مضيفين أنه بالرغم من أن الرئيس السيسى قدم خلال افتتاحه مشروع الاستزراع السمكى بالإسماعيلية، التحية والشكر لكل العاملين بهيئة الرقابة الإدارية لما يقدمونه من جهود فى محاربة الفساد، وعلق الرئيس على القبض على مسئول مشتريات مجلس الدولة، قائلاً: «لا بد أن تكون هذه قضية رأى عام، لأنها تثبت محاولات الدولة لمحاربة الفساد»، وأشار أيضاًً إلى أن المجلس مؤسسة محترمة ولها كل التقدير، وطالب كل المؤسسات بالمراقبة على موظفيها، منوهاً بأن حديث الرئيس على هذا النحو يتضمن وجوب محاسبة الأشخاص الذين كان تحت رئاستهم المتهم ومنحوا له جميع الصلاحيات والسلطات ليتوحش ويسىء لمؤسسة عريقة مثل مجلس الدولة.
وتساءلوا حول محاولة مجلس الدولة تبرئة ساحته من هذا المتهم، وكأنه كان يعمل فى جهة أخرى، وكذلك حول التحقيقات التى يجب إجراؤها مع الأمين العام ورجاله داخل إدارة مجلس الدولة، والتى كان المتهم يعمل تحت رئاستهم، والذين منحوه سلطات مطلقة فى التعاقد على تأسيس مقار الديوان العام وفروع مجلس الدولة بالمحافظات فى كل شىء يتصوره عقل من أثاث وتكييفات ومشتريات وعقود، ألم يكن من العدل والحق إحالة الأمانة العامة للتحقيق الإدارى.
وأكدوا صدمتهم من ضعف بيان المجلس الخاص الذى صدر فى هذا الصدد، موضحين أن كل عام يأتى رئيس بالمجلس لا يعلم بهذه الأمور ما يعطيهم قوة على مدار السنين، وعما ورد بنهاية بيان مجلس الدولة من أنه «يهيب بجميع وسائل الإعلام المختلفة تحرى الدقة وانتظار الحقيقة التى تسفر عنها تحقيقات النيابة التى تضطلع بها فى الوقت الراهن»، فقالوا إنها قضية رأى عام وليست تخص المجلس ومن حق الإعلام متابعتها، وهناك فرق كبير بين قضاء مجلس الدولة الشامخ وبين إدارة الأمانة العامة داخله التى ينتظر الشعب محاسبتهم أو على الأقل إقالتهم، هذا مطلب شعبى لحماية سمعة قضاء مجلس الدولة العظيم.

وأضافوا أن المتهم يشغل وظيفة مدير عام المشتريات بمجلس الدولة وليس هو الأقدم ثم هو عضو فى اللجنة، والعقود التى تتشكل برئاسة المستشار وائل شلبى الأمين العام وعضوية المستشارين محمد نشأت، وإسلام محروس والمتهم باعتباره عضواً فى تلك اللجنة وهو حاصل على تفويض من الأمين العام بعمل كل شىء، فكل الطلبات من فرش الديوان العام وفروع مجلس الدولة بالمحافظات، والطباعة لمستلزمات للقضاة، وأجهزة التكييف وجميع المشتريات كان مفوضاً فيها، فهو عضو اللجنة والوسيط بين المتعاقدين وبين إدارة المجلس، وكل الطلبات يؤشر عليها الأمين العام بعبارة «السيد جمال اللبان لاتخاذ اللازم»، وهذا أكبر تقصير من هذه اللجنة، وشىء يتعارض مع أبسط قواعد المراقبة وتوزيع العمل الإدارى.

وأكدوا أن أول مَن وزَّع بيان مجلس الدولة على الصحف ونشره عبر «الفيس بوك» المستشار إسلام محروس، وهذا ثابت على منتديات التواصل لقضاة مجلس الدولة، وهذا يعنى أن البيان من صنيعة اللجنة التى يجب إقالتها كلها حرصاً على مصلحة التحقيق، إذ كيف تجرى الرقابة الإدارية تحقيقاتها فى جميع العقود والمشتريات التى أبرمتها لجنة المشتريات والعقود التى كان يعمل بها المتهم عضواً وتحت يدها المستندات، وهم لا يزالون قائمين على إدارتها، وألم يكن من العدل يا قضاة العدل أن يتم على الأقل إبعاد كل أعضاء تلك اللجنة حتى تستطيع الرقابة أن تبحث عن الحقيقة. وقال المستشار غبريال جاد عبدالملاك، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن عدد الأمانة العامة يتراوح كل عام بين 10 و20 على حسب الحاجة، ويكون دورها فى الشئون الإدارية للمجلس وعمل حركة التنقلات. وأكد جاد عبدالملاك أنه عندما يأتى مدير المشتريات بأى أوراق لشراء أى مستلزمات، يجب على الأمين العام أن يتفحّصها جيداً، وإذا كان المبلغ كبيراً أو هناك شك فى الأوراق على الأمين العام إرسال الأوراق إلى مستشارى الأمانة العامة لفحصها وللتأكد منها، مطالباً بأن يأتى كل عام أمين عام جديد مع رئيس المجلس الجديد حتى لا تكون هناك مراكز قوى داخل المجلس، موضحاً أنه إذا استمر شخص فى منصب الأمين العام لفترات طويلة، وكل عام يأتى رئيس مجلس جديد، فبالتالى يقوم الأمين العام بمعرفة الرؤساء الأقدمين ويتقرب منهم، ويكون له حق نقل المستشارين إلى الأماكن التى تصب فى مصلحته، نظراً لقيام الأمانة العامة بحركة التنقلات، فهى المسئولة عن مدير المشتريات الذى بدوره مسئول عن جميع المشتريات والتعاقدات بكل فروع مجلس الدولة، ومع الوقت يأتى رئيس مجلس دولة جديد ويظل الأمين العام فى منصة فيزداد قوة. وقال مصدر بالأمانة العامة بمجلس الدولة، إن المجلس سيفحص جميع الأوراق والمستندات التى كانت فى عهدة مدير المشتريات، وتم تكليف بعض الموظفين بجمع جميع الأوراق والعقود. وتابع المصدر أن كل مستشار بالأقاليم يتقدم بطلب للحصول على التزامات يطلبها المقر، وأنه على «جمال اللبان» توفيرها، ما خلق له مساحة كبيرة من التحرك، لافتاً إلى أنه ربما يكون هناك شركاء له ستكشف التحقيقات عن شخصياتهم فيما بعد، موضحاً أن الإدارات المعنية بمجلس الدولة أعلنت حالة الاستنفار القصوى بعد ضبط جمال الدين اللبان مدير عام المشتريات والتوريدات بقضية الرشوة، وأن المجلس سيفحص جميع الأوراق والمستندات التى كانت فى عُهدته.

وقال محمد حامد الجمل، الفقيه القانونى، أحد رؤساء مجلس الدولة السابقين، إنه فى عهده أجرى تغييراً على منصب الأمين العام بعد بفترة صغيرة، موضحاً أن المنصب يتم اختياره من قِبل رئيس المجلس، ويكون هذا الشخص محل ثقة وأمانة، نظراً للمسئولية التى تقع على عاتقه، مشيراً إلى أنه يجب تغيير شاغل المنصب كل فترة، حتى لا يكون هناك فرصة لزيادة نفوذ أحد داخل المجلس.

وأكد «الجمل»،  أنه حتى لا تتكرر مثل واقعة «مدير المشتريات» يجب أن يتغير شاغل منصب الأمين كل عام، وأن يكون هنالك رقابة من رئيس المجلس على عمل الأمانة العامة، وألا يدع الأمور فى يد الأمين العام، وألا يجعل له حرية التصرف، كما يتم. وقال المحامى ياسر سيد أحمد، إن نصوص القانون واضحة وصريحة فى مثل هذه الجرائم، مؤكداً أنها جريمة مخلة بالشرف تصل العقوبة بها إلى السجن المؤبد، ولا تقل عن 10 سنوات.
وأضاف «ياسر» أن هناك العديد من العوامل التى تتحكم فى القضية، أهمها طبيعة عمل المتهم، والجهة التابع لها، والمدة الزمنية التى تم تتبعه فيها، والتحقيقات التى أجريت، واستصدار أمر من النيابة بتفتيش منزله، والعثور على هذا المبلغ الضخم، وأخيراً الأطراف المشتركة مع المتهم فى تحصيل هذه الأموال. وقال الدكتور عماد الفقى، وكيل كلية الحقوق بجامعة السادات والمستشار القانونى للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن عقوبة موظف مجلس الدولة المتهم بتقاضى رشوة تفوق قيمتها الـ150 مليون جنيه تنظم وفق قانون العقوبات، لافتاً إلى أنها قد تصل إلى السجن المؤبد، والغرامة، ومصادرة الأموال، والممتلكات الممنوحة له إذا ثبت أنه تقاضاها على سبيل الرشوة.

وأضاف «الفقى»، أن نص المادة 103 تنطبق على حالة الموظف الذى ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض عليه، والتى تنص على: «كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغیره أو قبِل أو أخذ وعداً أو عطیة لأداء أعمال وظيفته یعد مرتشياً، ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبغرامة لا تقل عن ألف جنیه، ولا تزید على ما أعطى أو وعد به». وأوضح وكيل كلية الحقوق بجامعة السادات أن تطبيق تلك العقوبة على «اللبان» يحتاج لتقديم النيابة العامة للأدلة التى تثبت أنه تقاضى تلك الأموال والممتلكات من متحصلات جريمة الرشوة، وإذا اقتنعت المحكمة بهذا بعد إعطائه حقه للدفاع عن نفسه بشكل كافٍ، تطبق عليه العقوبة التى تصل لـ«المؤبد»، ولفت إلى أن مصادرة أمواله هى «عقوبة تكميلية» لعقوبة السجن.

* منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق